لقد نفضت يدي من السياسة بعد أن آذتني في وطني.
فكيف جاز أن ألتفت إلى السياسة يوم كنت ضيف العراق؟
هي سياسة روحية تشبه السياسة التي تساور قلبي حين أزور دمياط المصرع الذي انتهى إليه (جامع الفتح) وهو المسجد الثاني في مصر بعد مسجد عمرو بن العاص
دعوت سادن جامع الفتح مرة ومرات فما أجاب؟ وأين السادن لمسجد لا تهتم به لجنة الآثار العربية ولا وزارة الأوقاف؟
ليتني صليت ركعتين على باب ذلك المسجد، وليتني تيممت بما على جدرانه من تراب!
لقد زرت في دمياط مشاهد يجهلها الدكتور علي مصطفى مشرفة ويجهلها الأستاذ عبده حسن الزيات، زرت البلد الذي تحدثت عنه في كتاب (التصوف الإسلامي) قبل أن أراه، لأرفع عن عقلي بعض ما يثقله من أوزار الجهل!
وأين من يعرف حقيقة ما أرويه في هذا الحديث؟
دمياط صورة من البصرة والبصرة صورة من دمياط
الطريق إلى هاتين المدينتين محفوف بالنخيل، وكلتاهما ملتقى للماء العذب والماء الأجاج، مع فروق أوجبها بعد البصرة من دمياط، وكلا البلدين ثغرٌ مخوف، فما يعيش العراق بدون أمان البصرة، ولا تعيش مصر بدون أمان دمياط
هذه السياسة الروحية تزلزل روحي، فلي في كل بلد آلام وآمال، وأنا أجول جولات روحية بكل ما أحب من البلاد في كل مساء، وكأنني أجول في شارع فؤاد. وهل يوجد في أية مدينة شارع له جاذبية شارع فؤاد؟
بالرغم مني أن يكون حظي من المرور بذلك الشارع شبيهاً بمرور الطيف على ديار الأحباب
شارع فؤاد هو طريقي إلى المفوضية العراقية، فهل سمح الوقت بأن أزور فخامة السيد جميل المدفعي وكان رئيس الوزراء حين كنت من الذين يتشرفون بخدمة العلم والأدب في العراق؟
المصري الصادق في خدمة وطنه لا يجد وقتاً لأداء حقوق المجاملات، لأن الشواغل عندنا تفوق الوصف، ولأن في حياتنا متاعب لا يعاني مثلها أحد في سائر البلاد العربية