إذا وفد إلى مصر زائرٌ كريم تلفت عساه يرى من يخفون لتحيته من المصريين، ثم تكون النتيجة أن لا يرى غير آحاد من الذين تسمح أوقاتهم بتحية الضيوف، فينصرف وهو متعجب من تهاون المصريين في المجاملات الإخوانية
أقول هذا لأعتذر لفخامة السيد جميل المدفعي، راجياً أن أراه في فرصة قريبة بالقاهرة أو بغداد.
زيارة سياسية!
ضاق الوقت عن التشرف بمقابلة صاحب الجلالة فيصل الثاني، وكنت أحب أن أعرف البواعث لزيارته الكريمة، فقد سمعت ناساً يقولون إنها زيارة سياسية!
نعيش إن شاء الله ويعيش فيصل الثاني إلى أن يتولى السلطة الدستورية وتُصبغ كل أسفاره بالصبغة السياسية. أما زيارة اليوم فهي زيارة ملك ناشئ لا يرى غير الورود والرياحين
وأنا مع هذا موقن بأن زيارته لمصر زيارة سياسية، فقد أبدع بروحه اللطيف جاذبية أخوية تزيد ما بين مصر والعراق من صلات السياسة ليست مقصورة على النظر في المنافع العاجلة أو الآجلة في حيوات الشعوب، فهناك سياسة أعظم وأرفع، وهي سياسة الحب والوداد. والملك فيصل الثاني يسمع من أخبار مصر ما يسمع، ويقرأ من مؤلفات رجالها ما يقرأ، فكان من الواجب أن يراها بعينيه ليحس روحها بأوفى وأصدق ما يكون الإحساس
انتظروا قليلاً، فسترون يوماً أن هذا الملك الناشئ دوّن في مذكراته البسيطة أشياء، فمن المؤكد أن صدره فاض بالجذل والارتياح والاغتباط حين رأى أن لغة العرب لها مدينة مثل القاهرة، ومن المؤكد أنه اطمأن على مصير العروبة حين رأى أن اشتباك المصالح الدولية لم يزحزح القاهرة عن خطتها العربية
وهنا أقول إنه يجب على كل عربي أن يزور القاهرة وأن يرى ما فيها من المدارس والمعاهد والكليات
عاصمة مصر هي العاصمة الأولى في الشرق، وهي في الحضارة والمدنية أعظم من استانبول، وهي أبقى على الزمن من أخطر حواضر اليابان، فقد نجانا الله من أهوال الزلازل والبراكين، وأنعم على بلادنا بوفاء النيل، وأعاننا على كبح ما فُطر عليه من الطغيان