في الردهة. . . (لم يطل بي النظر ولم يطل بها الوقوف، فقد ابتسمت لي وأحنيت رأسي تحية لها، وسرعان ما وجهت لي عبارة لطيفة قائلة:
- منذ أمس وأنا أعجب من هذا الغريب المنفرد بنفسه الذي لا يجد في هذه المدينة الصاخبة اللاهية ما يزعجه عن النوم ويشغله إلى ما بعد منتصف الليل. أقول هذا وأتساءل كيف لا أعجب من نفسي أنا أيضاً، فقد حضرت ليلتين، فلم أجد ثمة حذاء واحداً على باب واحد، ووجدت حذاءك منفرداً بنفسه على باب غرفتك. وقلت لنفسي وأنا أضع بدوري حذائي على باب غرفتي، فليظل الحذاءان هكذا قريبين من بعضهما في الليل وإن لم يتعارفا. وفي الحق أني عندما أغادر غرفتي إلى الحمام في الصباح الباكر أجد أن منظر الردهة قد تغير، فأمام كل باب حذاءان أحدهما ضخم خشن، والآخر دقيق رقيق، فأحدث نفسي لم لا يتفق حذاءانا نحن أيضاً فنجدهما ذات صباح على باب واحد. . .)
فياما أشد إغراء هذا الفتى الأسمر، لقد أنسى تلك الحسناء أنها امرأة يسرها أن تُصاد وأن ترى الشباك منصوبة من حولها. . . أنساها هذا وأنساها حياءها الغريزي فبدأته بهذا الحديث الطويل واقترحت عليه أن يشاركها غرفتها.
بقي الحديث عن الصفة الأخيرة وهي الأناقة وتكاد تكون أظهر صفات شعره الموسيقي العذب، ثم هي تبدو أيضاً في طبع كتبه وتقديم قصائده، ويرجع السبب في شدة وضوح هذه الصفة إلى أنها ارتوت من رافدين نبعا في صدر شبابه: أولهما الحرمان الجنسي، وثانيهما الحرمان الأدبي، لأن المجد الأدبي لم يوات الأستاذ علي طه في السن التي كان ينتظره فيها، بل تأخر عن ذلك. وفي مقال الأستاذ الزيات عن (أرواح وأشباح) ما يكشف عن ذلك الجانب، فهو يقول إنه منذ إحدى وعشرين عاماً كان يشرف بالاشتراك مع حضرة الأستاذ الجليل الشيخ مصطفى عبد الرازق على قسم الشعر في مجلة السفور، ودفع إليهما البريد بقصيدة لعلي طه (فوجدنا قوة الشاعر الموهوب تطغي على ضعف الناشئ البادئ، فضننا بها على السل وصححنا ما فيها من الخطأ وقدمت لها ببضعة أسطر تنبأت فيها بنبوغ الشاعر ونصحت له أن يرفد قريحته السخية بمادة اللغة وآلة الفن). . .
ثم لقيه في المنصورة. . . (وطلب إليه صديقنا أن ينشدنا بعض شعره فنشط لهذا الطلب وارتاح كأنما نفسنا من كربه أو خففنا من عبئه، وقال: نشرت لي السفور هذه القصيدة