للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لنقد هذا الكتاب الجديد، فإن مؤلفه قد كفانا مؤنة النقد، حين تجاوز الوضع والتصنيف إلى النقد والتقريظ. ولكنني أريد فقط أن أسجل ظاهرة عجبت لها عجباً يستنفد كل العجب! فقد ذكر المؤلف في الخاتمة التي وقفها على الحديث عن قيمة بحثه وما له من أثر، أن في وسعنا أن نجمل أثر بحثه في أن (المنقذ من الضلال. . . ليس بتاريخ حقيقي لتدرج الغزالي الفكري، ولتطوره العقلي والنفسي، ولن يعتبر بعد اليوم مصدراً لذلك) (كذا!). وهذا القول فيه من لهجة التوكيد والتظاهر بالدراية والتثبت، ما يثير الابتسام العريض! فإن العالم الحق لا يجيز لنفسه مطلقاً أن يتحدث بمثل هذه اللهجة التي لا تخلو من تجاف عن الروح العلمية. ولعل الأستاذ المؤلف يعترف بذلك، إذا أنعم النظر في مقدمة الدكتور زكي مبارك التي ارتضى أن يُثبتها في أوّل كتابه. فقد ورد فيها ما نصه: (أنا أعتقد أن الغزالي صادق في كل ما رواه. . .) وهذا القول ينقض ما ادعاه المؤلف من أن المنقذ لن يعتبر بعد اليوم مصدراً لمعرفة تاريخ حياة الغزالي.

وثمة ظاهرة أخرى تعرض لقارئ كتاب الاعترافات؛ وتلك هي غرابة الأسلوب. فإنني أستطيع أن أؤكد أن أحداً لم يسبق الدكتور عبد الدايم إلى الكتابة بالأسلوب الذي آثره هو. وأي باحث علمي يرتضي لنفسه أن يملأ صفحات كتاب له بمثل هذه العبارات: (الله؛ الله؛ أيها الشيخ؛ إنك لرجل قوي وبطل، نعم قوي؛ لأنك احتملت ما لم يحتمله الناس. . . الخ) ص٩٦؟ أو يقبل باحث أن يستعمل مثل هذه العبارات التي لو أوردها كاتب في مجادلة كاتب آخر لانتقصت من قدره في نظر الناس؟ هذا سؤال أترك الإجابة عنه للأستاذ المؤلف نفسه، فإنني أحسب أنه يوافقني على أن البحوث العلمية لا تكتب بمثل هذا الأسلوب.

أما إذا تركنا (الشكل) وانتقلنا إلى (الموضوع)، فإننا نأخذ على الكتاب عدة مآخذ. والمأخذ الأول عندنا أن المقارنة التي عقدها المؤلف بين الغزالي وديكارت، مقارنة فاسدة لا أساس لها. وكان الأجدر بالمؤلف أن يقارن بين الغزالي والقديس أوغسطينوس فإن ديكارت ليس فيلسوفاً متديناً يقيد نفسه بعقيدة ما من العقائد، وإنما هو فيلسوف حر الفكر، لا يعطي لمشكلة العقل والنقل من الأهمية ما يقفه عليها رجل مؤمن كالقديس أوغسطينوس. وديكارت لم يكتب لنا (اعترافات) يصوّر فيها حياته تصويراً دقيقاً كما فعل رجل كأوغسطينوس الذي كتب اعترافات رائعة، أدرك البعض قيمتها فاشتغل بترجمتها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>