والمأخذ الثاني أن المؤلف يضارب أقوال الغزالي بعضها ببعض، في سبيل التوصل إلى الحكم على اعترافات الغزالي بأنها كذب وافتراء. وهذا منهج خاطئ لا يوصّل إلا إلى نتائج فاسدة، لأن الأقوال التي يضاربها المؤلف بعضها ببعض، ذُكرت في عهود مختلفة، والتطور يفرض على الغزالي أن يغير من رأيه تبعاً لتغير حالته، فلا يمكن إذن أن نستنتج شيئاً من تعارض الأقوال واختلاف الآراء، كما أراد المؤلف.
زكريا إبراهيم
ضبط الخلاف بين العربية والعامية مستحيل
اطلعت في البريد الأدبي من (الرسالة) على كلمة موجزة، تحت عنوان:(ضبط الخلاف بين العربية والعامية)
وخطأ هذه القاعدة الجديدة أنها بنت كون اللفظ العاميّ عربياً مقبولاً على مجيئه موافقاً في الضبط لأصل من أصول المفردات العربية. وهذا ظاهر الفساد؛ فإن المتواضع عليه بين العلماء أن اللفظ العامي ما لم ينطق به عربي، سواء في الصوغ أو في الشكل. وهذا محل وفاق قطعاً، وأن المدار في تمييز العربي من العامي على النقل عن المعاجم اللغوية. وإلا لجاز أن يخترع العامي ألفاظاً لا حصر لها، على نمط الأوزان العربية. فهل نقول: إنها عربية لأنها وافقت أصلاً من أصول الكلمات العربية؟
وبنت كون اللفظ عامياً غير صحيح على مجيئه مخالفاً لقواعد الصرف. ولو أخذنا بهذا القول على إطلاقه لخطأنا نحو ربع اللغة العربية من الألفاظ الشاذة عن القياس الصرفي كمصادر الثلاثي وجموع التكسير، وبعض صيغ النسب والتصغير!
وأما خطأ التمثيل فقد مثل الكاتب لما يجب أن يكون عامياً غير صحيح بقول العامة: عباية في عباءة، ثوب في ثوب، جعر في جأر، معللاً بأن إبدال الهمزة ياء، وإبدال الثاء تاء، وإبدال الهمزة عيناً لا يرجع شيء منها إلى قاعدة صرفية.
أما عباية فقد نقل الثقات من أهل اللغة، أنها عربية مسموعة. نعم إن استعمالها بالهمزة أكثر وأشهر.
وأما جعر في جأر فذلك إبدال مطرد في لغة بني تميم، فقد حكى ابن مالك في شرح الكافية: