المحدودة؛ وبين التسامي الفني والميل الغريزي في الفنان.
فأما (سليمان الحكيم)، فقد نسجت على منوال جديد، وعاشت في جو جديد. إنه جو أسطوري نعم، ولكن الحياة كانت تدب فيه منذ اللحظة الأولى، فسليمان إنسان نبي يحيا حياة النبي الإنسان، وبلقيس ملكة وامرأة محبة تتصرف تصرف الملكات والنساء المحبات، ومنذر أمير أسير محب حتى وهو تمثال! وصادوق وآصف والصياد هم أناس يعيشون في هذا المستوى طوال الفصول الخمسة، وحتى (داهش بن الدمرياط) هو كذلك عفريت حي على هذه الأرض، على الرغم مما يدلف به إلى عالم الرموز!
وهم جميعاً يعيشون ونشعر معهم بحرارة الحياة، ولكنهم في الوقت ذاته يعرضون لنا في تصرفاتهم وفي حوارهم القصير (بالقياس إلى الحوار الطويل في التمثيليات الأولى) مشاكل فكرية وإنسانية ونفسية في كل خطوة وفي كل حركة، دون أن ينبهونا إلى انهم يعرضون هذه المشاكل ويقصدون إلى هذه الأفكار. . .
وهذه في اعتقادي مقدرة فنية أكثر من المقدرة التي يحتاج إليها المؤلف في التمثيليات الأولى، ومنوال أصعب في النسج عليه من ذلك المنوال
لذلك وددت أن يظل هذا النسق إلى نهاية التمثيلية؛ ولكن توفيق الحكيم لم يطق صبراً على الاختفاء الطويل عن المسرح، فقد أطل مرة أو مرتين برأسه في أثناء الفصول الخمسة الأولى ليتفلسف بالعبارات! وليشعرنا بوجوده خلف الستار. حتى إذا كان الفصلان الأخيران تمرد على السكون، واقتحم حياة أبطاله الذين خلقهم، وظهر على المسرح بشخصه، ليلقن هؤلاء الأبطال حواراً طويلاً يكشف عنا في نفوسهم، ويصور المشاكل الفكرية التي يريد تصورها، بدل أن كانوا هم أول الأمر يصورون هذه المشاكل الفكرية التي يريد تصورها، بدل أن كانوا هم أول الأمر يصورون هذه المشاكل بتصرفاتهم في الحياة!
وإننا لنلخص هنا هذا الحوار لنشرك معنا القراء فيما نراه:
لقد اصطدمت بلقيس بالحرمان النهائي. وقد اصطدم سليمان بالخطيئة والحرمان، وقد اصطدم الصياد بالمحاولة التي لم تتم، ولكنها نزغة من نزغات الشيطان
فأما سليمان فقد حبس الجنيّ وترك الصياد - بعد أن علم من أمره ما علم - وهو متهالك