وأحب أن أنبه هنا إلى لبس قد يقع فيه من يتصدون للنقد بلا اطلاع ولا استقصاء. فالناقد المنصف لتوفيق الحكيم يرى أن له تمثيليات وقصصاً أخرى تنبض بحرارة الحياة الإنسانية وفيها الفكاهة والدعابة التي زعم الأستاذ (محمد مندور) أنه محروم منها بعد اطلاعه الخاطف على تمثيلية (بيجماليون) وحدها. وإني لأذكر في هذه اللحظة (رصاصة في القلب)، و (عودة الروح) و (يوميات نائب في الأرياف) وغيرها، وفيها جميعاً هذه الحياة الحارة البسيطة الجميلة، وهذا تنبيه يجب أن يقال
ولقد أسلفت رأيي في مقدرة توفيق الحكيم على الحوار، فأريد هنا أن أسجل له سبقه وتفرده في إدخال الحوار إلى عالم الأدب العربي مستقلاً عن المسرح، بحيث يصلح للقراءة المجردة عن التمثيل. وفي تناوله الأسانيد والأساطير تناولاً فنياً في التمثيلية الأدبية، واستخدامها لعرض المشكلات الفكرية، والصراعات الإنسانية على السواء
وقد بلغ توفيق الحكيم في (سليمان الحكيم) - على الرغم مما لاحظناه - قمته الفنية في الصناعة: بلغها في تنسيق العرض الذي تحدثنا عنه في أول المقال؛ وبلغها في إدارة الحوار وفي رسم الشخصيات، وفي الالتفاتات السريعة الموحية والإشارة الخاطفة المصورة (وفي مقال لصحيفة لا يتسع المجال لضرب الأمثال كما يتسع لها في كتاب)
ولقد كنت ألمح في أثناء دراستي للتمثيلية تلك الخيوط التي ينسجها في شخصية كل شخص، ثم يلقيها على أبعاد متقاربة أو متباعدة، ليعود إليها بعد حين، فينسج الخيط التالي بجوار الخيط الأول وهكذا. فأحس بعد خطوات لِمَ ألقي بهذا الخيط هنا وبذلك الخيط هناك!
والصورة التي أستخلصها لطريقة عمل المؤلف: أنه استحضر جميع أفكار تمثيليته وجميع مشاهدها بالتفصيل قبل أن يمسك القلم ليكتب، ثم جعل يلقي بهذا الخيط هنا وبذلك الخيط هناك، ليجمع أطرافها إليه ويشدها جميعاً في الوقت المناسب. وهو تنظيم دقيق قد يستغرب من (توفيق الحكيم) المعروف للناس؛ ولكنه غير مستغرب عند الناقد الذي (يفقس) توفيق الحكيم!
ولقد بلغ كذلك قمة التمثيلية في اللغة العربية حتى الآن. أما القياس إلى التمثيلية العالمية فلست أنا صاحب الحق في هذا المجال