للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نحن في الغالب نطالب بأكثر مما نستحق، وندّعي لأنفسنا حقوقاً لم نبذل في سبيلها ما يجب بذله من الجهود، ثم نطيل التوجع والتفجع والتحسر على انعدام العدل. وهل عدلنا مع أنفسنا حتى نطالب غيرنا بالعدل؟

لا يجوز تضييع لحظة واحدة بلا استفادة علمية أو أدبية، ولا يجوز تضييع لحظة واحدة في القيل والقال إذا كنا نريد أن يكون لنا في الحياة السامية مكان

ومن آفات الناس في هذا العصر أن تكون المظاهر غاية ما يطلبون، فمن النادر أن نجد من يتشهى أن يكون نعيمه مقصوراً على المغانم الروحية، ومن النادر أن نجد من يفرح لأن جيرانه في رغد وإن كان في حرمان

والاعتماد على الحكومة في جميع الشؤون أخطر آفات هذا الجيل؛ فالحكومة هي التي تصد بغي الناس بعضهم على بعض، والحكومة هي التي تضمن وجود الرغيف في السوق، والحكومة هي المسئولة عن كف يد القريب عن ظلم القريب

نحن نشغل بعدِّ المنافع عن عدِّ المآثم، وننسى محاسبة أنفسنا على الكسل البغيض، الكسل الذي يشل مواهبنا المكنونة ويضيفنا إلى جماعة المتواكلين

ما هذا الذي نعاني من كوارث وخطوب؟

أقول هذا لأني أعرف أننا لا نلتفت لغير المصاعب التي تساق إلينا من بُعد، ونغفل عن المصاعب التي نخلقها بأيدينا، وهي المصاعب الناشئة عن غفوتنا الروحية والذوقية والعقلية. وصدق الرسول حين قال: (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك)

الجهل الدميم بقوانين الوجود هو الذي يجعلنا نلقي المسئولية على من لا يحملون عنا أية مسئولية، والفرار من التبعات هو أعظم شواهد الخذلان

لو أنفقنا في محاسبة أنفسنا معشار ما ننفق في محاسبة الحكومة والمجتمع لوصلنا في جهاد النفس إلى أشياء. ولو تجنَّينا على أنفسنا كما نتجنى على الحكومات والمجتمعات لتكشفت أنفسنا عن حقائق تهدينا في ظلمات الوجود

محاسبة النفس لا تقع إلا عند يقظة النفس، فلنفهم أن رضانا عن أنفسنا في جميع الأحوال من دلائل السبات

وأغرب ما نتورط فيه أننا نبالغ في تعقب عيوب الحكومات والمجتمعات، ثم ننتظر أن لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>