المخزي، يذكر الإنسان ما كان يشترط في المغني العربي والمغنية العربية في العصر العباسي من إلمام واسع بنحو العربية وصرفها وعروض الشعر وقوافيه، وما كان ينبغي أن يتوفر له من محفوظ الشعر والبصر بعلله ودقة الذوق في نقده وطول الباع في الوقوف على أخبار الأدباء والكتاب والشعراء والمحبين. ولسنا هنا بمعرض ضرب الأمثال لذلك، فكتب الأدب العباسي والأندلسي تفيض بذلك وتزخر به. ونحن والحمد لله نعيش في مصر في عصر شباب اللغة العربية ورونق مجدها المبين، مما لم تبلغه في أي عصر من عصورها الذهبية الحوالي؛ والمستمع الذي له دراية بنحو هذه اللغة لا يتلف الغناء أو الإلقاء في نفسه ما يتلفه اللحن في القطعة المغناة أو الملقاة. . . إنه يضيق عند ذاك بالغناء وبالمغني. . . بل إنه ليضيق بالدنيا جميعاً ولا يعود يعنيه من أمر الغناء ما يعنيه من جهل المغني بنحو اللغة، ذلك الجهل الذي لا عذر له فيه إلا الكسل عن الإلمام بهذا النحو. لقد كان المغنون في العصر العباسي وفي بلاد الأندلس أدباء من الطراز الأول، وكانوا يحتلون من رواية الرواة ومؤلفي كتب الأدب ما كانوا خليقين به. وحسبهم فخراً وشرفاً أن يسمي أبو الفرج كتابه (الأغاني) ولم يسمه اسماً آخر بالرغم مما حشد فيه من تراجم الشعراء وقصائدهم
وبعد. . . فمتى يعني مديرو مجلاتنا الممتازة ورؤساء تحريرها بالمسرح المصري الحديث وما إليه من سائر الفنون الرفيعة التي ذكرنا؟ إننا حينما ندرس الأدب اليوناني القديم نجد ثلاثة أرباع هذه الدراسة تدور حول المسرح اليوناني وحول شعراء مآسيه وملاهيه؛ ودراسة الآداب الأوربية تكاد تكون قسمة عادلة بين القصص في الشعر في ناحية، والدرامة في ناحية أخرى، بل يكاد بعض هذه الآداب يكون مسرحياً صرفاً. وقد عني أرسطو بدراسة المأساة المسرحية وكرس لها كتابه الخالد (بويتيكا)(الشعر) وعدها مصدر الفضائل ولباب الأدب. فهل أصحاب مجلاتنا الممتازة ورؤساء تحريرها في حاجة إلى أن يذكرهم أحد بكل ذلك؟. . .
قد يجادل رؤساء التحرير المحترمون هؤلاء في حقيقة المسرح المصري الحديث: أموجود هو؟ وهل لدينا الممثلون الذين يستحقون أن يكتب عنهم؟ وهل لدينا مذاهب مسرحية تستأهل أن يعنى بها؟ ثم ما هي عيون الأدب المسرحي أو السينمائي التي تستحق أن تفسح