جمالاً. والرافعي كان معنياً بعبارته أتم العناية، يقدها وفق المعنى، ويأتي بها رصينة جميلة منتقاة الألفاظ؛ وفي هذا يقول:(ودورة العبارة الفنية في نفس الكاتب البياني دورة خلق وتركيب، تخرج بها الألفاظ أكبر مما هي، كأنها شبت في نفسه شباباً، وأقوى مما هي كأنما كسبت من روحه قوة، وأدل مما هي كأنما زاد فيها بصناعته زيادة)
ويقول:(والكاتب الحق لا يكتب ليكتب، ولكنه أداة ي يد القوة المصورة لهذا الوجود تصور به شيئاً من أعمالها فناً من التصوير)
أقرأت مقالة (الربيع) في (وحي القلم)! ألا تحس كأن الرافعي اتحد بالطبيعة، وفهم لغتها، فجاءت إليه بأسرارها ثم جاء يترجم عنها فنقل ما لم يتح لكاتب قبله!. أسمعه يقول:(خرجت أشهد الطبيعة كيف تصبح كالمعشوق الجميل لا يقدم لعاشقه إلا أسباب حبه، وكيف تكون كالحبيب يزيد في الجسم حاسة لمس المعاني الجميلة!)
ويقول:(لاحت لي الأزهار كأنها ألفاظ حب رقيقة مغشاة باستعارات ومجازات، والنسيم حولها كثوب الحسناء على الحسناء، فيه تعبير من لابسته، وكل زهرة كابتسامة تحتها أسرار وأسرار من معاني القلب المعقدة). ويقول:(ويكون الهواء كأنه من شفاه متحابة يتنفس بعضها على بعض)
ولا يتسنى لي في هذه الكلمة الموجزة أن أحلل وأعلق وأبين مطارح الجمال في عباراته وخياله، وحسب القارئ أن يتأمل ويتذوق ويحكم. إن الرافعي تمثل الطبيعة عاشقة جميلة تترضى حبيبها، ولها من القدرة والغنى ما يمكنها من إرضائه، بل لا يظهر منها إلا ما يرضيه ويفتنه؛ وتأمل قوله:(أسباب حبه) وفسرها كما تشاء، وعلل لماذا اختار الرافعي هذه الكلمة دون سواها؛ الآن أسباب الحب شتى من عطف وجمال وزينة وإبهاج. . .
وانظر كيف رأى الأزهار (ألفاظ حب رقيقة)، وهل رأيت تشبيهاً أحلى وأرق وأوفق من هذا التشبيه؟ أو لا تراه لا يزال على خياله من أن الطبيعة حبيبة تبادله ألفاظ الحب الرقيقة على لسان أزهارها المختلفة الشكل واللون والشذى؟
ثم تأمل كيف يصور الشتاء فيقول: (وكانت الشمس في الشتاء كأنها صورة معلقة في السحاب، وكان النهار كأنه يضيء بالقمر لا بالشمس، وكان الهواء مع المطر كأنه مطر غير سائل، وكانت الحياة تضع في أشياء كثيرة معنى عبوس الجو، فلما جاء الربيع كان