سمي باسم المخترع وهو ألماني الأصل، وليس بقطار الديزل مقصف، مع أنه خاص بركاب الدرجة الأولى والثانية، ومع أنه لا يقف إلا في محطات قليلة، وهو حين يقف لا يتمكث غير دقيقة أو دقيقتين
بهذا القطار حنفية تجود بالماء لمن يقبل الجود من الأشحاء، وما قيمة الجود بماء لم يسمع بأخبار الثلج، ولا يعرف الطريق إلى تنسم الهواء؟
جرّبوا السفر بهذا القطار بعد الظهر في مثل هذه الأيام وفي طريق الصعيد، لتعرفوا كيف يبخل القطار على ضيوفه الأعزاء بكمية من الماء المثلوج لا تتكلف خمسة قروش
وقف الديزل في محطة بني سويف، فتصايح الركاب يطلبون من الباعة إمدادهم بأكواب الليمون، ليبتلعوها في مثل ومضة البرق، ويقوم القطار قبل أن يتناول المسافرون ما يخفف وقدة الظمأ، وبعد لحظات يقف القطار، وننظر فنعرف أنه وقف إكراماً لصاحب (بوفيه المحطة) وكان بقي في القطار إلى أن يتسلم ما له عند المسافرين من نقود!
فما الذي يمنع من أن يقف القطار بالمحطة نحو ثلاث أو خمس دقائق، ليستغني عن هذا التلطف في معاملة صاحب البوفيه، وليضمن راحة المسافرين من بعض هذا العناء؟
أيكون من الصعب إمداد ثلاجة القطار بزادها من الثلج، ولو بإضافة زيادة على أثمان التذاكر؟
أما بعد فهذه شؤون تبدو من التوافه في نظر بعض الناس، ولكنها شؤون على جانب من الأهمية، والاهتمام بها قد يغيّر ما درجنا عليه من الغفلة عن تذوق الحياة
وهل كان البدوي الذي يعاني متاعب السفر في البيداء أشقى من الحضري الذي يمتطي قطار الديزل، وهو على ما وصفت؟
لقد ظمئت بهذا القطار ظمأ لم أشعر بمثله وأنا أخترق البادية من دمشق إلى بغداد، لأن مطية نيرن تفكر فيما لا تفكر فيه مطية ديزل، ولأن الشركات تصنع في ملاطفة الزبائن ما لا تصنع الحكومات. . . وما أحب أن أزيد!
القيظ في أسيوط
دخلت أسيوط وقد انتصف الليل أو كاد، فرأيتها في حال من القيظ لا تطاق، فماذا صنعت