أعرض هنا تعبيراً أفلت منه، وله دلالة خاصة على هذا المزاج. ففي قصيدة (لنسيب عريضة) ساق الحديث هكذا:
يا نفس مالك والأنين؟ ... تتألمين وتؤلمين؟
عذبت قلبي بالحنين ... وكتمته. ما تقصدين؟
(وهانحن منذ المقطوعة الأولى في جو الشعر (فالنفس تئن)!
إذن كانت النغمة التي استرعت سمعه وجعلته يحس بأنه دخل في جو الشعر هي أن (النفس تئن). ولهذا دلالته، وهي الدلالة التي تنطق بها جميع مختاراته حتى الآن. وهو (مزاج) خاص له أن يتذوق ما يحبه من الألوان، ولكن ليس له أن يتولى مهمة النقد والتوجيه كما قدمت
وأريد أن أسأل: ألا ندخل في جو الشعر إلا إذا سمعنا هذا الأنين؟ و (الهمس) بالسرور والفرح والانطلاق؟ ألا يكون شعراً على هذا الأساس؟
إن الأستاذ مندور لم يقل هذا بالضبط، ولكن النماذج التي جاء بها جميعاً تكاد تنطق فذلك إذن توجيه مؤذ، يكاد الدافع إليه يكون دافعاً (مرضياً) وهو ما يدعو إلى الحذر الشديد!
ولا أحب أن أقف من الشعر المهموس والنثر المهموس موقف العداء المطلق كما وقف الأستاذ مندور من جميع ألوان الشعر الأخرى. وكذلك لا أريد (مؤقتاً) أن أفاضل بين هذا اللون وبين الألوان الأخرى.
ولكن هذا لا يمنعني أن أقول إنه كان موفقاً في اختيار بعض النماذج، وغير موفق في اختيار بعضها. فقصيدة (يا أخي) لميخائيل نعيمة وقصيدة (ترنيمة سرير) لنسيب عريضة يعدان نموذجاً طيباً لهذا اللون الذي يحبه. وأقول نموذجاً طيباً لهذا اللون بذلك القيد. ولكن ما عداها من مختاراته كان نماذج رديئة للشعر عامة ولهذا اللون من الشعر كذلك، لا في الأداء وحده، ولكن في حقيقة الشعور
والفرق بعيد والمسافة طويلة بين هذين النموذجين وبين سواهما. ولكن الذي يجمع بينه هو مجرد (الحنية) ومجرد الأسى المنهوك. ويهمني أن أبرز هذا المعنى إبرازاً خاصاً؛ فهو دليل عندي على هذه (الحالة الخاصة) التي أكاد أعزو إليها ولعه بهذا اللون، فهذه الحالة هي التي تجعله يستجيد كل ما ينطوي على هذه العناصر جيدة ورديئة على السواء. وهذا