ما يدعوني للشك العميق في أن (مزاج) الأستاذ الخاص هو الذي يملى عليه آراءه لا ذوقه الفني
إن المسألة ليست مسألة ضيق في أفق الذوق الفني فقط، ولكنها (حالة مزاجية) خاصة تتحكم في هذا الأفق الضيق بطبيعته. وأخشى أن تكون حادثة ما أو عدة حوادث كامنة في ماضي الأستاذ مندور تتحكم في نفسه دون شعور. وهذا ما يدعو إلى الحذر الشديد في تقبل هذه الآراء!
وقصة (النثر المهموس)؟ إنها كقصة (الشعر المهموس). وأريد أن أقول للأستاذ مندور إن الفقرات الأخيرة من قطعة (يا أمي) لأمين مشرق هي فقرات طيبة في إحساسها وفي أدائها، ولكن الفقرات الأولى (تقليدية) من أدب (القوالب) المحفوظة. وكناقد كان يستطيع أن يفرق بين هذا وذاك؛ ولكنه كصاحب مزاج خاص لم يستطع التفرقة. ففيها جميعاً تشيع روح (الأسى المنهوك) وهذا يكفي!
وإذ انتهيت إلى هذا الحد أحب أن أعرض على الأستاذ مندور وعلى القراء ألواناً من الشعور البسيط الأليف الذي لا تفقده بساطته وألفته قوته وسلامته وصحته. وهو من عمل أدباء مصريين من أولئك المتخلفين قروناً في نظره
وهذا النموذج الأول لأديب شاب من رثاء لأمه:(وقد اخترتها لمناسبة قطعة أمين مشرق):
(من نحن اليوم يا أماه؟ بل ما نحن اليوم عند الناس وعند أنفسنا؟ ما عنواننا الذي نحمله في الحياة ونعرف به؟
(إننا لم نعد بعد أسرة، ولم يعد الناس حين يتحدثون عنا يقولون: هذه أسرة فلان. بل أصبحوا يقولون: هذا فلان. وهذا أخوه. وهاتان أختاه!
(اليوم فقط مات أبي؛ واليوم فقط أصبحنا شتيتاً منثوراً. وإني لأضم اليوم إلى صدري ابنكما وابنتيكما. أضمهم بشدة لأستوثق من الوحدة، وأشعرهم بالرعاية. ولكن هيهات هيهات. فأنا وهم بعدك أيتام يا أماه!
(لقد شعرت اليوم فقط بثقل العبء. وعلمت أنني لم أكن أنهض به وحدي، وأنني كنت أرعاهم وأرعاك معهم، لأنني قويٌّ بك. أما اليوم فالعبء فادح، والحمل ثقيل، وأنا وحدي ضعيف هزيل!