أُثير هذا الرأي في إحدى المجلات المصرية منذ زمن غير بعيد؛ ولقد انشرح صدري لتقبُّل المجلة التي أثير فيها أن تساهم في هذه الغاية بنشر هذا اللون من الأدب المؤرخ. وأيقنتُ أن ذلك سيعود على تاريخ الأدب العربي بفوائد جمة إن يشرع في تحقيقه. ذلك لأن تدوين حياة الأديب الكبير ودراسة أدبه: أفكاره وأسلوبه، في حال حياته، أسهل وأصدق مما لو عُمد إلى ذلك بعد موته. فإن دراسته إذ ذاك تكون أوفى وأقرب إلى الحقيقة.
أقول هذا وبين يديّ الآن العدد الأخير من مجلة (الصباح) الدمشقية (عدد ٢٩ آذار ١٩٤٣) أطالع فيه دراسة مستفيضة عن الشاعر احمد الصافي النجفي.
حرّر هذا العدد الخاص الأستاذ فؤاد الشائب فاستخلص شخصية الصافي من دواوينه التي أشهرها (الأمواج) و (أشعة ملونة) فتحدث عن حياة الصافي الحر البعيد عن الدنيا، القريب منها، وقدّم لبحثه بهذه الكلمات:
(قرأت في حياته، وقرأت في ديوانه، فلم أجد أحفل منها حياة، ولا أصدق منه كتاباً. . . نغمتان أختان، وصورتان توأمان للنفس البشرية في أعمق شعورها وأصدق حكمتها. . . فلا أدري أيهما كتاب الشاعر، وأيهما حياته. . .)
تكلم الأستاذ الشائب عن خصائص الصافي الشعرية، وعن تحرره وعدم تقيده وإبداعه وعن روحه الشعرية، ودلل على أنه شاعر لا ناظم، ووصف شعره (بالبساطة الحلوة النافذة إلى غرضها بلا عنف أو جهد) وأوضح أنه اقترب أعظم الاقتراب من الإنسانية، وأنه وإن لم يبل الحب ويخبره، فقد بلا الألم وخبره أكبر الخبر، فجاء شعره وليد نفس ثائرة متألمة ملتاعة
نرجو أن نستمع إلى من يحدثنا عن العقاد، والزيات، وطه حسين، واحمد أمين. . . وغيرهم من زعماء الأدب العربي. . .
أما الدكتور المبارك، فلا بأس من أن نستمع إلى من يحدثنا عنه، ولو أنه هو نفسه تحدث كثيراً عن نفسه، وكتب ما ينبغي أن يُكتب عن حياة أديب، بل وأكثر. . .