الظباء فطرة غبية، فهي لا تحب غير حياة التوحش والتوحد، وهذه الحياة فرضت عليها الذل، كما فرضته على الآساد. أليس من بلاء الأسد أنه لا يستطيع العيش بأرض خالية من الحيوان، ولو أخرجت أطيب الثمرات؟
واكتفاء أكثر أنواع الحيوان بالطعام الواحد قضى بأن تعيش في ظل الوهم الأول، فهي جميعاً تخاف من النور حين يسطع بالليل. ولو دخل إنسان غابة وحشية وبيده مصباح لأزعج ما فيها من الكواسر والجوارح، لأن تلك الخلائق ترى أن النور قوة سماوية لا أرضية، وأنه لذلك أمضى سلاح
وقد تحرر الكلب من الطعام الواحد بعض التحرر لا كل التحرر، ولهذا ظل على أشياء من المخاوف الحيوانية، فهو ينزعج من الليل أشد الانزعاج، وهو لا يكف عن النباح إن قضى الليل في العراء
والطعام الواحد يؤذي الأرواح، كما يؤذي الأبدان، والعقل يُعطب بالطعام الواحد كما يُعطب الجسم. فمن الواجب أن نزود عقولنا في كل يوم بأزواد مختلفات. ورياضة العقل على تقبل الآراء لا تقل عنفاً عن رياضة الجسم على تناول الطعام الحرّيف
لاحظت أن البهائم تميز بين الطيب والخبيث من الأعشاب بدون تعليم، وهل سمعنا أن بهيمة أكلت عشباً ساماً فماتت؟
ولكن هذه الغريزة الهادية من أسباب الانحطاط في طوائف من الحيوان، فيها تنعدم فرص التجاريب، والتجربة خصيصة إنسانية وهي أعظم تمرين لتقوية عضلات العقل، وللعقل عضلات!
ولاحظت أن المواليد الحيوانية تعرف طريقها إلى الحياة منذ ساعة الميلاد، فهي تأكل وتشرب وتمشي وتلعب من أول يوم
فكيف ضاع هذا الحظ على المواليد الإنسانية؟
وكيف جاز أن يحتاج المولود الآدمي إلى شهور طوال قبل أن يعرف كيفية الوقوف؟
قالت إحدى الجرائد الإنجليزية في وصف الملك فيصل الثاني (هو طفل في غاية من الذكاء ولكن لا تظهر عليه علامات النُّضج المبكّر)
فما معنى العبارة الأخيرة؟ هل ترونها ترمي إلى التهوين من شأن ذلك الطفل؟