البساطة كما ذكرنا. فمن هذا النوع أمثلة نادرة وعجيبة. أمثلة لا تدخل في الحقيقة في اختصاص الطب، لأن صاحبها لا يشكو مرضا، تأتيه النوبات من غير ألم، ويتحدث اليك في ذهوله حديثا هادئا متزنا من غير انفعال، زاعما انه شخص آخر غير نفسه، قد يكون امرأة فتنتحل في ذهولها شخصية رجل، أو العكس، وقد يكون صغيرا فيحدثك حديث الكبير أو العكس، فإذا عاد إلى نفسه لم يتذكر شيئا مما كان، وإذا عاودته النوبة برزت شخصيته الثانية بذاكرتها الخاصة، وخبرتها الخاصة، وحكمها الخاص على الأمور، وأذواقها وميولها الخاصة، وتبدأ حديثها معك من حيث انتهيتما في المقابلة السابقة، وبالاختصار تشعر انك تعاشر شخصين مستقلين أحدهما أساسي والآخر يأتي في الفينة بعد الفينة.
هذه الحال يعرفها علماء النفس، ويسمونها الشخصية المزدوجة ويصح ان يتكلفها البعض لغاية في نفس ولا سيما إذا كان من ورائها كسب، ولكن إذا شوهدت في أسرة لا تتجربها، كما هو الحال اللادى كونان دويل أرملة سير آرثر كونان دويل المؤلف الانكليزي المعروف والباحث الروحي الكبير، فالدجل غالبا لا محل له، وقد خبرت هذه الحال في فتاة كانت في سن لا تعرف التكلف إلى هذا الحد، وما كان لها فيه مآرب. أما الشخص الذي يرزق هذه الخاصة فسوء الظن به واجب، وامتحان يتحتم. ومن وسائل امتحانه أن تأتيه من الخلف على حين غرة وتغرز في جسمه إبرة، فأن كان متكلفا فسيفزع من غير شك مهما كان جلدا. وقد وجد الباحثون أن من هؤلاء الناس من تضربه الإبرة من الخلف مفاجأة (بمعرفة طبيب) وهو ماض كأن شيئا لم يحدث، فهو في ذهول حقيقي. ولما كان جمهور الناس يعجز عن التفريق بين الحقيقة والدجل، فالارتزاق بهذه الخاصة ومثلها يؤدي إلى فوضى ومآس خلقية، وتحريمه واجب من غير شك.
ما تعليل هذه الظاهرة العجيبة، ظاهرة الشخصية المزدوجة؟ ليس لدى علماء النفس تعليل لها، ومن يتصد لتعليلها منهم يستعر لها علة الهستيريا، ويعتبرها تبادلا للسلطة بين العقلين الواعي والباطن، ولكن في سلم وهدوء. أما اتزان الشخص في ذهوله، واكتمال شخصيته الثانية، وما قد تنم عنه أحيانا من سمو وسعة علم وتهذيب يفوق بكثير مستوى الشخص الاصلي، فيعزونه إلى أن العقل الباطن بحر لا يعرف بعد مداه، ولا ما قد يحوي من علم