وقد أقام الرومان على مدخله من جهة البحر قلعة للحراسة، وهي الآن انقاض لم يبق من معالمها إلا الجدران - ويتفرع من وادي بلى عند وسطه وادي البديع، وهو يخترق جبل الدخان وينتهي عند بئر البديع حيث توجد مناجم الحجر السماق الامبراطوري، وهو حجر جرانتي دقيق الحبيبات لونه احمر قاتم قد صنعت منه طائفة كبيرة من أجمل التماثيل في العصر القديم، ولا يزال بوادي البدع آثار رومانية قديمة من مبان واستحكامات وطرق - ويتطرق وادي بلى إلى وادي القطار وهو كسابقه فيه العشب وفيه الشجر، وعند الكيلو متر ٦٥ تقوم استراحة بوليس مصلحة الحدود على رابية بجانب الطريق، وبالقرب منها بئر الأمير فاروق وماؤها عذب غزير، ويخرج من وادي القطار عند الاستراحة طريق يؤدي إلى سطح جبل القطار حيث مناجم الموليدات. وهي لشركة طليانية بقيت تستغلها سنوات طويلة، ولكنها منذ سنتين توقفت عن العمل وصرفت العمال، ولم يبق بمركزها سوى المهندس وهو شيخ طلياني طابت له الإقامة ففضل البقاء وحده وسط هذه الجبال - فتأمل - وبلى والقطار من أجمل الوديان والطريق فيهما مرسوم يحاذي الجبال في تعاريج كثيرة بين صعود وهبوط، والجبال هنا موحشة جداً تحمل في طياتها وعلى جدرانها طوابع العصور الطويلة التي تعاقبت، والكوارث التي نزلت من تفتت وتهشيم وتصدع وانكسار وانثناء وتعرية.
وصلنا ممر محينق قبيل الساعة السابعة، ثم انحدرنا منه إلى وادي قنا، وهنا تغيرت معالم الطريق وطبيعة الجبال، فاصبح الوادي أكثر اتساعا والجبال أقل ارتفاعا، واختفت الجبال القديمة وظهرت هضاب الحبال الكلسية التي تمتد إلى وادي النيل - وبعد أن مررنا بجبل (نجع الطير) ثم بجبل (ابي حد) وطابية الحيط، وصلنا بير (عراس) وهنا زاد الوادي انفراجا وانبساطا، وفي منتصف الساعة التاسعة وصلنا قنا ونزلنا ضيوفاً على نقطة بوليس مصلحة الحدود.
ولوادي قنا شهرة قديمة، فقد كان طريق المصريين والرومان والعرب إلى محاجر الجرانيت ومناجم المعادن وشواطئ البحر الاحمر، ولوقوعه في سفوح الجبال العالية فأنه يترع بالماء وقت الامطار الغزيرة، وتفيض منه سيول جارفة تصب في النيل عند قنا وتجلب معها كميات عظيمة من طمى ناعم يعرف (بالحيب) يصنع منه الفخار القناوي