وقد تناول الكلام عن مئات من الأسباب والنتائج غير هذه القضايا العشر حيث عرض الموضوع عرضاً عادلاً ووفاه حقه من البحث بطريقة تبدأ في نظر القارئ خطأ في خطأ، وشروداً عجيباً عن الموضوع الذي زعم لنا أنه بسبيله، ثم لا يفتأ أن يدخل بنا في الحقائق التي مهد لها بالمقدمات التي وهمنا أنها شاردة، فإذا هي تبدهنا، وإذا نحن منها في النور الساطع.
١ - ولقد تناول المستر أرفن تاريخ المسرح في أوربا قديماً وحديثاً، وقبل الحرب الكبرى ثم بعدها، فقرر ما سبق إلى تقريره مؤرخو الأدب المسرحي من ازدهار المسرح في الأمم التي تشتغل غالبية سكانها بالزراعة، حتى إذا بدأت هذه الغالبية تتحول إلى غالبية صناعية أخذت دورة الفلك تتبدل، وأخذ الانتكاس المسرحي يعمل عمله، ولا سيما في الأمم التي أخذت نفسها في القرن التاسع عشر والقرن العشرين بالصناعات الكبيرة التي ترمي إلى سرعة الإنتاج وكثرته والتي تخصص من أجل ذلك الأيدي العاملة آلافاً آلافاً لصنع جزء من ألف جزء من السلعة بحيث يقضي العامل كل حياته وهو لا يدري من الصناعة شيئاً غير عمل رأس دبوس أو خرم سَمِّ الخياط (عين الإبرة) أو تلوين جزء خاص من صورة من صور الشوكولاته بالأزرق أو الأحمر، أو عملية بعينها من مئات العمليات في مصنع للنسيج أو الغزل، أو تركيب مسمار بعينه في مدفع يتركب من مئات الأجزاء في مصنع للأسلحة المختلفة. . . إلى آخر ما هنالك من أمثال هذه الصناعات المركبة. . . ويقيم المستر إرفن الدليل على أن أمة تشتغل الكثرة الساحقة من أبنائها في مثل هذه التفاهات هي بلا شك أمة من الأميين الفقراء في ثقافتهم، الفقراء في أمزجتهم، الفقراء في صحتهم، الفقراء في تقديرهم للحياة الفنية، الفقراء في مساكنهم التي يتراكم فوقها الدخان ويزيدها الضباب واكفهرار الجو المستديم بلاء على بلاء. . . أما الأمة التي تكون غالبية أفرادها من الزراع - كاليونان القديمة وإنجلترا في عصر إليزابث، وفرنسا في القرن الثامن عشر، وروسيا وإيطاليا. فهي أمة ذات مزاج رفيع وذوق سامٍ وتقدير متئد للفنون بكل أنواعها وإن كانت غالبية سكانها أميين كذلك، لأن الزارع الأمي أوسع ثقافة من غير شك من الصانع الذي شدا هذا اللون الفقير من ألوان التعليم الإجباري حتى إذا بلغ سنا معينة وابتلعه المصنع، لم يبق في رأسه شيء مما شداه في المدرسة، خصوصاً بعد أن يصبح عبداً للآلهة