تنخذ مادة تهريجها من شخصيات العظماء والمصلحين. . . فقد ارتفع المسرح اليوناني إلى الذروة في أعظم فترة من فترات القوة في التاريخ اليوناني الحافل بالأمجاد، وكانت المأساة هي مادة ذلك المسرح في هذا العهد، فلما أخذت الروح اليونانية تفسد، وتسرب الضعف إلى روح الشعب، بدأت الملهاة تنتعش، وأخذ أرستوفان يكتب ملاهيه الساخرة، متخذاً من يوريبيدز فخر المأساة اليونانية، ثم من غيره من المصلحين، مادة لتهريجاته. . . أما في عصر إليزابث فقد كتب شيكسبير وبن جونسون وأضرابهما عدداً كبيراً من المآسي والملاهي، إلا أن الشعب أقبل إقبالاً منقطع النظير على المآسي ولم يقبل ذاك الإقبال على الملاهي، مع أنها كانت من الملاهي الجميلة العميقة التي ترتفع درجات فوق ملاهي أرستوفان. . . وقد علل إرفن ذلك بأن روح الشعب الزراعي أقوى من روح الشعب الصناعي، وأعصابه أقوى من أعصابه، فهو يستطيع أن يتفرج بالآلام ويصبر على مشاهدتها تمثل أمامه ويتسلى بذلك جميعاً كما يحلو له أن يتأسى أيضاً، ويشعر خلال ذلك بأضعاف اللذة التي يشعر بها المتفرج بالملهاة. . . أما الشعب الصناعي فهو مركب من كثرة منهوكة الأعصاب مختلة التوازن الفكري، ومن قلة من أصحاب المصانع والتجار رفعتها المضاربات فجأة فوق أكداس من الثروة الطائلة ومن أوساط عجماء عادة، إن صح هذا التعبير. . . فالكثرة تريد الترويح الخفيف عن أعصابها المتعبة، وذلك إنما يكون بالملهاة ذات البهرج الزائف من مناظر الرقص والافتنان في الشعبذة، والنكات التي تداعب الأسماع وتثير أعصاب الضحك، كما تثير حركات (البهلوان) أعصاب الضحك عند الأطفال. أما القلة من الأغنياء فهي فقيرة بثقافتها وأسلوب حياتها عن أن تسيغ المأساة؛ وهي تحمل عقلية وضيعة لا تسمو كثيراً فوق عقلية الكثرة من الصناع. ولذلك فهي تشاطرها ميولها وأهواءها
أما في فرنسا، فقد أوشك تاريخها في المائة سنة الأخيرة أن يكون حلقة متصلة من الحروب المستمرة، ولذلك أصبحت الأعصاب الفرنسية أكثر تأثراً وأشد نصباً من غيرها، ولذلك أيضاً أصبح لا يمثل على المسرح الفرنسي إلا نوع واحد من الدرامات المتشاكلة التي تتناول موضوع الحب غير الشرعي. ولعل إرفن نسي أن يعلل ذلك بكثرة الأزواج الذين فقدوا في حروب الثورة وحروب نابليون وحرب السبعين والحرب الكبرى، مما كان سبباً