للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الهوة التي لم تكن تليق بأسمى الأعمال الفنية الثقافية. نذكر أن متوسط نفقات المسرح العادي في إنجلترا في الأسبوع الواحد هو أربعمائة جنيه، ويقفز هذا المبلغ في مسارح الوست إند الإنجليزية إلى ١٢٠٠ جنيه أو ١٣٠٠ جنيه في الأسبوع، إذ يقدر إيجار المسرح بما يتراوح بين ٢٥٠ و ٦٠٠ جنيه في الأسبوع الواحد، ومتوسط إيجار أحد المسارح اللندنية اليوم هو ٤٠٠ جنيه في الأسبوع، وبإضافة أجور الممثلين والإداريين ومصممي المناظر ومهندسي الإضاءة والخدم والمستخدمين الآخرين ورجال الأركسترا وأجور الإعلان والنور والتدفئة الصناعية وثمن الدرامة وضريبة الملاهي (وإن تكن محتسبة على النظارة) يقفز المنصرف على المسرح أسبوعياً إلى ما ينيف على الألف جنيه بكثير. وإذا علمنا أن ثمن تذكرة الكرسي الممتاز هو ستون قرشاً (١٢ شلناً)، وأن ثمن الكرسي العادي هو تسعة قروش عرفنا أن إيراد المسرح متوقف إلى حد بعيد على ثمن الكراسي الممتازة (الألواج والبناوير والكراسي الأمامية) وهي الكراسي التي يدفع ثمنها الأغنياء من الجمهور الذي وصفنا، فإن لم يعمل مدير المسرح حساباً لذوق هؤلاء الأغنياء انصرفوا عنه بطبيعة الحال وتكون النتيجة المنطقية هي الخراب والإفلاس إذ تسقط الرواية من الوجهة الاقتصادية، والمدير محتاج - كي يغطي مصروفات الإخراج فقط - إلى أن تباع جميع كراسيه في حفلات شهرين على الأقل، لأن فترة الإخراج لا تدر عليه إيراداً، وهي عادة تكلفه ثلاثة أسابيع، أي أنها تكلفه حوالي أربعة آلاف أو خمسة آلاف من الجنيهات. ومن أظرف ما يورده إرفن بهذه المناسبة أن جميع المديرين في مسارح لندن، بل في جميع المسارح الإنجليزية هم رجال مثقفون ثقافة ممتازة، وهم لهذا يخجلون من أنفسهم كلما بالغوا في الإسفاف بالدرامة إلى حضيض التهريج والشعبذة ليضمنوا إقبال الطبقة الخاصة من هؤلاء الأغنياء التي تشتري التذاكر ذات الأثمان المرتفعة

(وليس أحب إليهم، لهذا السبب، من أن يقدموا للجمهور درامات من عصارة الفكر ولباب الفلسفة لو ضمنوا جمهوراً من الأغنياء الفلاسفة؛ إذ لو تأخر الزمن بشكسبير وأقبل بعد الحرب الكبرى وفي يده روايته الخالدة هملت ليعرضها على أحد هؤلاء المديرين لألقوه جميعاً من نوافذ مسارحهم، إن لم يلقوه في شيء آخر داخل هذه المسارح (!!) وذلك لأن في رواية هملت ثلاثين بطلاً يقتل معظمهم، ثم منظر هذا الشيخ المفزع كفيل بتمزيق

<<  <  ج:
ص:  >  >>