للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والمنتج هو أيضاً مستهلك، فمصانع (المحلة) بالديار المصرية، ومصانع (لنكشير) بالديار الإنجليزية، هذه المصانع تنتج الأقمشة، وهي مع ذلك تستهلك الخيوط فتحتاج إلى الأقطان التي تخرجها المزارع المصرية والأمريكية

ومن الواضح أن المنتج أقوى من المستهلك، لأنه المتحكم الأول في الأسواق، ولأن المستهلك يعجز عن مقاومته في أغلب الأحيان

فمد الرأي في الإنتاج والاستهلاك في الحياة الفكرية؟

وما مركزنا الصحيح بين المنتجين والمستهلكين؟

قضينا زمناً ونحن عملاء أمناء للثقافات المجلوبة من بلاد غير البلاد، فمتى ننتج بأكثر مما نستهلك؟ ومتى نحاول غزو الأسواق الأجنبية بالفكر والبيان؟

قد يقال إن الفكر المصري منتج بالنسبة لكثير من أمم الشرق العربي والإسلامي

وأقول إن هذا ميدان غير جديد، فالعرب والمسلمون اخوة لنا بالشرق، وما بيننا وبينهم من الجاذبية الروحية قد يوجب أن يرضوا منا بالقليل، وإن لم ندخر جهداً في أن نلقاهم بأقوى مما يلقاهم به أقطاب الفكر من أهل الغرب

والحق أن الأديب المصري غاية في الحرص على التسلح بالجدية في الحياة الأدبية، وقد يكون جهاده في الأدب أقوى من جهاد نظرائه في الأمم الأوربية والأمريكية، بدليل ما نشاهد من سيطرته الروحية في الشرق، مع أنه لا يعتمد على أي سناد، ومع أن الأدب في مصر لم يصبح أداة من أدوات المجد، في حدود ما يستحق من التبجيل

فماذا نصنع لنكون منتجين لا مستهلكين بالنسبة لأهل الغرب؟

ماذا نصنع؟

هل نترجم لهم ما يصدر أدباء مصر من الروائع؟

هل نستجديهم الثناء على ما عندنا من الآداب والفنون؟

لا هذا ولا ذاك، وإنما الرأي أن نعتز بالذاتية العربية، وأن نحاول خلق جبهة أدبية من قراء العرب، وهم يزيدون على الثمانين من الملايين

إن صنعنا - وسنصنع - فسيلتفت الغرب إلى الشرق، وسيكون لنا في حياة الفكر والرأي تاريخ جديد

<<  <  ج:
ص:  >  >>