من أحواله في التسامح الديني ما لم أكن أعرف، وكانت النتيجة أن يقول فلان وهو رجل حصيف: كيف يجوز لسعادة مصطفى باشا أن يرتاب في تسامح الشيخ رشيد مع أن له حكاية تنقض ذلك الارتياب؟
فما تلك الحكاية؟
قال الأستاذ أسعد داغر للشيخ رشيد: أنا نصراني يحترم الفضائل الإنسانية ويروي أن محمداً آية في الكرامة الأخلاقية، فكيف يجوز أن تغلق أبواب الجنة في وجهي؟
فأجاب السيد رشيد: ستدخل الجنة يا أسعد قبل كثير من فقهائنا
ذلك هو تسامح الشيخ رشيد في نظر ذلك الرجل الحصيف. وأنا أرى في هذا التسامح دليلاً على التحامل، التحامل على الفقهاء وكانت بينهم وبين صاحب المنار ضغائن وحقود
ولأجل أن نفهم هذه الحقيقة يجب أن نرجع إلى مقالين في رثاء الشاعر عبد المحسن الكاظمي، المقال الأول في مجلة (الرسالة) بقلم الشيخ عبد القادر المغربي، والمقال الثاني في مجلة المنار بقلم صاحبه السيد رشيد
في المقال الأول عطف ورفق، وفي المقال الثاني قسوة وعنف، فقد قال الشيخ الرشيد في الكاظمي كلمات لا تليق، وسلقه بقلم دونه بأس الحديد
أكانت إهانة الكاظمي بتلك الصورة فرضاً يوجبه التاريخ؟ وما الذي يعكر التاريخ الأدبي لو بقى الكاظمي كما صوره الشيخ عبد القادر المغربي؟
الأمر كله يرجع إلى أن الشيخ رشيد عانى من معاصريه، متاعب ثقيلة جداً، فقد كان الناس يستكثرون عليه أن يتفرد بإعلان مآثر الشيخ محمد عبده والإفصاح عن آرائه الدينية والاجتماعية، وكانوا يرون ظالمين أن الأمر لا يعدو المهارة في الاستغلال
من خطاب السيد عبد الرحمن عاصم عرفت أن فضيلة الشيخ محمد شاكر كتب إلى الشيخ محمد عبده يدعوه إلى كف يده عن رعاية الشيخ رشيد، وأن الأستاذ الإمام أجاب:
(كيف أرضى بإبعاد صاحب المنار عني وهو ترجمان أفكاري؟)
وأنا أعرف الشيخ محمد شاكر جيداً، فقد كان على جانب من العنف، وكانت عداوته مرة المذاق، وكان يحارب خصومه في الرأي محاربة المستميت، فمن المؤكد أن خصومته تركت في نفس الشيخ رشيد عقابيل