اللهم إلا ما تقضي به العادة من استعمال العامية في مجرى الحديث في غير وعي. . . فالتعليم إذن هو الوسيلة الوحيدة لإحلال العربية الفصحى محل العامية الدارجة. . . أما عنايتنا بتعليم الفتاة خاصة فذاك أنها هي التي تتولى تربية أطفالنا في سنيهم الأولى، فهي كفيلة إذن أن تصقل ألسنتهم، وأن تفهم عن المدرسة ما تهدف إليه من مطامح وأغراض، فهي على مساعدتها أقدر من الأم الجاهلة المغرقة في الأمية، ومن الأم التي تعلمت في مدرسة مصرية عرجاء، أو في مدرسة أجنبية تعنى أول ما تعنى بمحاربة القومية المصرية في كل مشخصاتها وأهم تلك المشخصات اللغة التي لا تسيحي بعض طبقاتنا الراقية ممن تعلموا - أو تعلمن - في مدارس أجنبية من هجرها واحتقارها ومداولة الحديث بلغة أجنبية حيث لا يكون في المجلس أجنبي واحد. . . هذه كارثة اجتماعية ينبغي أن تعالجها الدولة بما يجب لها من جهد. . . وليس على الأرض قاطبة لغة أشرف من لغتنا لو وجدت من يخدمها في إخلاص ونصح. . .
وإلى أن يتم هذا الإصلاح، وإلى أن تلتفت الدولة إلى خدمة اللغة العربية على النحو الذي تراه، لا نرى مندوحة من الصراحة في القول ونحن نتحدث عن لغة المسرح المصري وما ينبغي لها أن تكون في الوقت الحاضر، من أن نوصي باللغة العامية خيراً في هذا الحديث. . . فللغة العامية محاسنها التي لا تنكر، ومن هذه المحاسن ما تتفرد به، وما لا يؤديه شيء في العربية الفصحى إلا حيثما تفشو، هذه العربية الفصحى، بين الناس بحيث تختلط بدمائهم وألسنتهم كما تختلط العامية الآن. . . وليس الخير الذي نريد أن نوصي به للغة العامية هو الخير المطلق الذي يجعلها لغة المسرح عندنا. . . كلا. . . وإلا كنا ندعوا إلى شر لا إلى خير، وإلى نكسة لا إلى نهضة، فليست لغة غير اللغة العربية تصلح للمسرح المصري خصوصاً في الروايات المترجمة التي كان يقبل الجمهور عليها إقبالاً شديداً في فجر نهضتنا المسرحية التي كان يضطلع بها الشيخ سلامة جازي وجورج أبيض وعبد الرحمن رشدي والشيخ أحمد الشامي وأحمد سماحة، والتي ازدهرت أيما ازدهار في السنوات الأولى من حياة مسرح رمسيس قبل الانشقاق المشئوم الذي مزق وحدة الممثلين المصريين البارزين والذي انتهى إلى تلك العواقب المحزنة التي لم يسلم منها إلى اليوم. ولا يفوتنا أن نذكر الفرقة القومية بهذه المناسبة. . . فقد كانت اللغة العربية هي لغتها