تفشل في خلق العقيدة الصالحة بها بين أهل الحضارة من أبناء الزمن الحديث
أما الإيمان بالقوة المادية - قوة السيف والنار - فهو شوط تجاوزه الناس كذلك منذ عهد بعيد
تجاوزوه منذ عرفوا كلمة الحق أو عرفوا كلمة العدل بين الأقوياء والضعفاء
وقل ما شئت في (الحق) أنه كلمة من الكلمات
وقل ما شئت في (العدل) أنه لفظ من الألفاظ
فمهما يقل القائلون في ذلك فالواقع الذي لا شك فيه أن الناس عرفوا كلمة (الحق) بعد أن جهلوها
فلماذا كانت هذه المعرفة وكيف جاءت إلى الألسنة أو إلى الضمائر؟ ولماذا لم تظل كما كانت مجهولة لا يفهم الناس منها هذا المعنى الذي يفهمونه الآن؟
أعن حاجة عرفوها أم عن غير حاجة إليها؟
إن كانوا قد عرفوها عن حاجة إليها فالويل لمن ينكرها ويقف في طريقها. وغير عجيب إذن أن تحق الخيبة على الفاشيين لأنهم يعارضون التيار الذي يندفع إليه الإنسان بوحي من طبائع الأشياء
أما أن الناس قد اخترعوا كلمة الحق وتشبثوا بها لغير حاجة إليها ولا لأنها تمثل شيئاً قائماً في الحياة الإنسانية فهذا عجب لا يصدقه عقل عاقل. ولنا حين يزعمه الزاعمون أن نسأل: ما بال أنصار القوة المادية يكتبون ويصنعون ما يصنعون وينفقون الملايين فوق الملايين ليثبتوا أنهم على الحق وأن خصومهم هم المبطلون؟
إن وهماً من الأوهام التي لا حاجة إليها لن يستحق كل هذا العناء ولا بعض هذا العناء
ولقد كانت القوة المادية أقدم شيء عرف في هذه الدنيا، وكانت بين أيدي الناس يستطيعون أن يعبدوها كما يشاءون وأن يؤمنوا بها كما يحبون، فلو كان في الإيمان بها غنى عن غيرها لما تركها الناس ليتحولوا إلى كلمة جوفاء أو إلى خيال ليس له قوام
إن الذي يدين بها بعد أن عرف كلمة الحق لا يفهم معنى ما يقول
والفاشيون لا يفهمون معنى ما يقولون، بل لا يفهمون معنى ما يصنعون، سواء رجعت من قبل إلى الرأي والبرهان أو رجعت الآن إلى الوقع والعيان