كتابة هذا التصدير، إذن لكان له المحصول كل المحصول، ولكان له رأس كقمة الجبل وذنب كالذي خوف به المنجمون المعتصم حين هم بفتح عمورية. وآس أشد الأسف لأن الحكومة لم تكل إلى الأستاذ عملي في وزارة المعارف وفي جامعة فاروق، إذن لكسبته الحكومة والأدب جميعاً. والأستاذ المازني يعرف أن لأبي العلاء قصة مع الشريف المرتضى، وأظنه يأذن لي في أن أسرق من هذه القصة شيئاً، فالسرقة في الأدب مباحة، ولا سيما حين تكون في العلن لا في السر، وهي حينئذ أشبه بالسطو. فأنا أرجو أن يقرأ الأستاذ سورة الفلق، وأن يقرأ مطولة لبيد ومطولة طرفة وعينية سويد أبي كاهل التي مطلعها:
بسطت رابعة الحبل لنا ... فبسطنا الحبل منها ما اتسع
ورائية الأخطل التي مطلعها:
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر ... وإن كان حيَّانا عِدا آخر الدهر
ولامية المتنبي التي مطلعها:
بقائي شاء ليس هُمُ ارتحالا=وحُسنَ الصبر زمُّوا لا الجمالا
وسيقول القراء أني ألغز بهذا الكلام، ولكني أعتذر إليهم، فإني لا أكتب لهم وإنما أكتب للأستاذ المازني. وأنا أسلك في ذلك طريقة الأستاذ نفسه؛ فمن المحقق أنهم لم يفهموا عنه ما قال أمس، لأنهم لم يقرءوا التصدير الذي لا محصول وراءه والذي لا رأس له ولا ذنب. . . وأحبب إلي بأن أستقيل وأفرغ للأدب، ولكني أود أن أستيقن قبل ذلك بأن الحكومة ستضع الأستاذ المازني مكاني لنرى أيكتب كلاماً كالذي أكتبه أم يكتب كلاماً خيراً منه. . . أما بعد فأنا ضامن للقراء إحدى الحسنيين: فإما أن يسكت الأستاذ المازني فيستريح من هذا السخف الذي نحن فيه، وإما أن يكتب الأستاذ المازني فيجدوا شيئاً يرفه عليهم من هذا الفيظ المهلك، ويقرءوا كلاماً له الرءوس كل الرءوس، والأذناب كل الأذناب)
حل الألغاز
ونسارع فنذكر أن الإشارة إلى سورة الفلق منصبة على آية (ومن شر حاسد إذا حسد) وأن الإشارة إلى مطولة لبيد تتجه إلى هذين البيتين:
فاقنعْ بما قَسم المليك فإنما ... قَسمَ الخلائقَ بيننا علاّمُها