وإذا كان الأستاذ المازني هو البادئ بالظلم فأنا أبدأ بالدفاع عن الدكتور طه، والهجوم عليه ذو شعب: فهو تارة أديب أضاع نفسه بالأعمال الحكومية، وتارة موظف لا يحسن إدارة الأعمال، وتارة حائر لا يهتدي إلى ساحل الأمان
وأشهد أن الدكتور طه من أقدر الرجال على إدارة الأعمال الحكومية، فما تولى عملا أقبل عليه بهمة وقوة، ولا سما إلى مطلب إلا وصل إليه بأيسر أو أعسر مجهود. والدكتور طه مثال نادر من أمثلة البراعة في الشؤون الإدارية، وهو مفطور على سرعة التصرف، وأخطاؤه القليلة أو الكثيرة لا تقاس إلى صوابه في الابتكارات الديوانية
وما الذي يمنع من الحكم بأن الدكتور طه دفع عن رجال الأدب قالة من أسوأ القالات، فقد مرت أزمان والناس يتوهمون أن رجال الأدب لا يصلحون للأعمال الإدارية، وكان من أثر هذا التوهم أن لم نر لأحدهم مكانا في المناصب العالية من الوجهة الرسمية، فجاء نجاح الدكتور طه رداً حاسماً على أوهام أولئك المتوهمين
وكذلك يقال في تولي الدكتور طه إدارة جامعة فاروق، فذلك مغنم عظيم لرجال اللغة العربية، وكانت الحكومة لا تكل إلى أحد منهم إدارة مدرسة ابتدائية. وهل ننسى أن مدرسة دار العلوم ظلت آماداً طوالاً تحت نظارة رجال من غير أبنائها، مع أن فيهم كثيراً من الأكفاء؟
ويسرني أن تشهد البواكير بأن الدكتور طه سيفلح في إدارة جامعة فاروق، كما أفلح من قبل في إدارة كلية الآداب بجامعة فؤاد، وكما أفلح في أعماله بوزارة المعارف
أما قول الأستاذ المازني بأن شواغل الدكتور طه تصرفه عن تزويد عقله بالمطالعات والمراجعات فهو قول صحيح، ولكنه لا يؤذي الدكتور طه في شيء، لأن الدكتور طه قد اختار لنفسه أن يكون من رجال الدولة لا من رجال الأدب، وهو لن يزاحم أحداً من الباحثين، ولن يقول إنه أوحد الناس في جميع الفنون، فما يجوز لمن يكون في مثل حصافته أن يتناسى أن الأستاذية في الأدب توجب الانقطاع إلى الأدب، وتفرض الخلوة إلى النفس ساعات من كل يوم، وذلك لا يتيسر لمن تكون الأعمال الإدارية عناءه بالنهار وهمه بالليل.