قرأت في إحدى مجلات الشباب رداً على الأستاذ العقاد يشبه الهوس، فقد ترك الكاتب الشاب موضوع النقاش وتناول العقاد جملة وتفصيلاً، فنفى عنه أنه كاتب، ونفى عنه أنه مفكر، ونفى عنه أنه مؤلف،. . . ثم ضحك ممن يقولون عنه إنه شاعر! وكل هذا هو الهوس بعينه. . . ولن ينفى كل هذا أن العقاد كاتب كبير جداً ومفكر خصب التفكير جداً، ومؤلف له كتب كثيرة جيدة جداً. ولن ينفى عنه أنه شاعر من أرق شعرائنا خيالاً وأخصبهم معاني وأدقهم تصوراً، وإن لم يحدث في الشعر العربي، على حد ما بينا في مقالنا السابق، ثورة أو حدثاً كثيراً ذا بال
وقرأت في المجلة نفسها إنذارات موجهة إلى طه حسين وأحمد أمين، وهي إنذارات تدل على عدم نضوج الأقلام التي سودتها، فهم ينذرون طه حسين بإظهار القراء على الأغلاط الواردة في كتابه الأيام (الجزء الثاني!) كما ينذرونه بتعقب أغلاطه في كتبه الأخرى، وهذه هي المهاترة التي لا تليق بنا لأننا لن نكسب شيئاً قط إذا هدمنا العقاد وطه حسين وأحمد أمين والزيات والمازني. . . وهذه الطائفة التي أقامت نهضتنا الفكرية والأدبية وعلمتنا وسبقتنا إلى الميدان. . . وقبل أن نحاول هدم هؤلاء جميعاً فواجبنا ألا نكون ولا نضع شيئاً. بل نهدم ولا نبالي ماذا يكون بعد الهدم. . . يجب أن نفكر طويلاً في خطتنا قبل تنفيذها. فكروا أيها الشباب فيمن يخلف العقاد قبل أن تهدموا العقاد، إن استطعتم إلى هدمه سبيلاً. فكروا في كاتب منكم يستطيع أن يتثقف بما تثقف به العقاد ويستطيع أن يكون عصامياً في ثقافاته. . . وفكروا قبل أن تهدموا طه حسين في الرجل الذي يستطيع أن يتزعم نهضة أدبية في أمة بأكملها فيسهر عليها ويشقى في سبيلها ويقامر من أجلها بسعادته وسعادة أهله كما صنع طه حسين. . . ولتكن لطه حسين عيوبه التي تشق المراثر كما تزعمون، ولكن للرجل ماضيه، وله حاضره أيضاً، وأنتم أنفسكم ثمرات ذلك الماضي فلا تتنكروا له، فإن رأيتم فيه اعوجاجاً فقوموه بالحسنى، وأمامكم ميدان البريء فخوضوه أبرياء واشتدوا فيه كما تشتهون
وأما محاولتكم هدم أحمد أمين فصغار لا يليق بكم أيضاً، فقد أصبح أحمد أمين إماماً من أئمة نهضتنا، وأستاذاً من أساتذة الجيل، أعجبكم هذا الكلام أو لم يعجبكم، ثم هو كان إماماً هادئاً متزناً رزيناً، فهل فكرتم في أحد منكم يستطيع أن يصنف ما صنف ويؤلف مثل الذي