إن بعض هذه الأخطاء والأغلاط كانت جوهرية خطيرة تتعلق بأسس العلوم نفسها
كان أرسطو يقول مثلاً - في ميدان علوم الطبيعة - بنظرية العناصر الأربعة، ويعتبر كلاً من الماء والهواء والتراب والنار عنصراً من عناصر الأشياء. . . ومن المعلوم أن علمي الفيزياء والكيمياء، قد قاما على إنكار هذه النظرية من أساسها
وكان يقول - في ساحة علم الحياة - بنظرية (التناسل التلقائي)، ويعتقد بأن الديدان والحشرات تتولد من تلقاء نفسها، من الطين والجيف. ومن المعلوم أن علم الحياة الحالي، قد برهن على بطلان هذه النظرية برهنة قاطعة
وكان أرسطو يقول - في ساحة الاجتماعيات - بضرورة الرق، ويعتقد بأن الاسترقاق من ضرورات الحياة الاجتماعية؛ وكان يعلل اعتقاده هذا، بقوله (إن بعض الناس خلقوا ليكونوا عبيداً)؛ حتى كان يرى أن (الغزو للحصول على العبيد) مشروع بقدر (الصيد لاقتناص الحيوانات). . . ومن المعلوم أن تطورات الحياة الاجتماعية سارت دائماً على أساس إنكار هذا الرأي بوجه حاسم بات
وزيادة على ذلك، فإن بعض الآراء التي قال بها أرسطو كانت من نوع السفسطات والمغالطات. فقد قال - مثلاً -: (إن الخط المستقيم لا يمكن أن يكون كاملاً، بوجه من الوجوه، لأن هذا الخط المستقيم إذا كان غير متناه كان غير كامل، إذ أن الكمال في الخط لا يتم إلا عندما يكون له شكل مرسوم بوضوح. وأما إذا كان الخط المستقيم المذكور متناهياً، فلا يكون كاملاً أيضاً؛ لأنه يبقى في هذه الحالة، ما هو خارج عنه، بطبيعة الأمر. . .) ومن الواضح أن كل ذلك من لغو الكلام، وهو يدل على المغالطة في البرهنة والبيان
فإذا كان أرسطو لا يزال يتمتع بمنزلة ممتازة ومكانة خارقة، في تاريخ العلوم والأفكار، فما ذلك إلا لأن التاريخ المذكور يراعي على الدوام المبدأ الذي ذكرته آنفاً
وما قلته عن أرسطو في هذا الصدد، يصح في غيره من العلماء والمفكرين أيضاً. فليس بين هؤلاء - من سقراط إلى كونت، ومن بقراط إلى فرويد - من يعد عظيما لأنه لم يخطئ في آرائه وكتاباته قط؛ بل إنهم يعدون من العظماء، على رغم الأخطاء التي وقعوا فيها والأغلاط التي قالوا بها