الأشخاص متبحراً لذلك في علم النفس، بحيث يستطيع أن يفهم روح المؤلف الذي تعتبر القصة قطعة من نفسه ومرآة لفنه. ولذلك ترى القصة التي تعد للسينما عملاً أدبياً صرفاً من كل وجهه، بل هو عمل أدبي يصدر أولاً عن روح المؤلف، ثم يتعاون في إعداده واضع السيناريو ثم المخرج ثم المصور ثم هذا الجيش العرمرم من العمال والمهندسين الذين يحسن، بل يجب أن يكونوا ممن يتفهمون الأدب ويسيغونة لأنهم شركاء في إنضاج هذه الثمرة الأخيرة التي تعرض على الشاشة البيضاء، فإما أن تنجح كعمل أدبي وإما أن يقضى عليها بالفشل الذريع
فالمباعدة إذن بين الأدب وبين السينما وهم لا أصل له. ثم هو وهم أقصى عن التأليف للسينما كبار كتابنا وأحسن قصاصينا، وإلا فماذا كتب للسينما طه حسين ومحمود تيمور ولاشين ومحمود كامل ويوسف جوهر وتوفيق الحكيم، ومن إليهم من الأدباء الشباب والأدباء الكهول على السواء؟ لقد انصرف هؤلاء عن التأليف للسينما، فكانت النتيجة أن وكلت شركات الصور إلى مؤلفي الدرجة الثانية كتابة قصصهم، وكانت النتيجة أيضاً تلك الأشرطة المخزية بموضوعاتها وإخراجها وتهريجها. . . وغاب عن أئمة كتابنا أن أدب هذه الأشرطة هو الذي يمثل اليوم أدب القصة المصرية في الداخل والخارج أمام ملايين المتفرجين، وهو تمثيل يضع أدب القصة المصرية السينمائية في الوحل، وينشر ضدنا دعاوة سيئة بين شعوب شقيقة كانت تقدرنا أحسن التقدير فانتهت إلى الرثاء لنا إن لم تكن السخرية بنا. ومما يدعو إلى الأسف أن يضطر الإنسان إلى تسجيل انصراف طبقة كبيرة من المصريين المثقفين الممتازين عن شهود الروايات المصرية التي تعرض في دور السينما المختلفة. وذلك لما بلوه مراراً من انحطاط موضوعاتها وضعف تأليفها، وبعد الشقة بينها وبين الأفلام الأجنبية التي تغذوا سوق السينما المصرية وتنهب أموال المصريين نهباً تستحقه أحياناً ولا تستحق منه مليماً أحياناً كثيرة. . . والجيد من تلك الأفلام يفضح صناعة السينما في مصر بقدر ما يفضح المؤلفين المصريين. وهذا الجيد كثير جداً مع الأسف، وهو يعرض علينا ألواناً رائعة من الأدب الأمريكي والأدب والإنجليزي والأدب الفرنسي والأدب الروسي، ومن سائر الآداب العالمية التي اشتهرت بثروتها في القصص والدرامة بقدر ما اشتهر الأدب العربي في هذه الناحية، ذلك الفقر الذي عللناه في صدر هذا المقال،