الدور يومياً، وبالرجوع إلى دفاتر ضريبة الملاهي نعلم أن متوسط دخل إحدى دور السينما بالقاهرة يرتفع مرات كثيرة إلى خمسمائة جنيه مصري كل يوم أي إلى خمسة عشر ألفاً من الجنيهات شهرياً، وفي القاهرة أربع من دور السينما يقرب إيرادها اليومي من هذا المستوى، فإلى جيوب من تذهب هذه المبالغ الضخمة؟ إنها تذهب إلى جيوب الأجانب، وقل أن ينتفع المصريون منها إلا بأجور الخدم! فأي هوان ينزل بالقومية المصرية والكرامة الوطنية بعد هذا الهوان؟ هذا في الوقت الذي يتضور فيه كثير من أحسن أدبائنا جوعاً. . . وفي الوقت الذي يهدد فيه كبار الممثلين بهجر المسارح. . . من أجل أزمتهم المالية. . . ونحن لا ننكر أننا المسئولون قبل غيرنا عن هذه الكارثة، والمسئولية موزعة على الدولة والأدباء والشركات. . . فالدولة مقصرة لأنها تهمل المسرح المصري على النحو الذي بيناه في مقالاتنا الكثيرة السابقة، والأدباء مقصرون لأنهم لا يساهمون في التأليف القصصي والتأليف المسرحي، وهما دعامتا الإنتاج السينمائي، والأدباء الكبار يتركون للكتاب الصغار الذين لا يعرفون من فن القصة ولا فن الدرامة شيئاً مهمة إمداد السينما المصرية الناشئة بقصصهم المريضة الهزيلة، والشركات السينمائية مقصرة لأنها كانت تستطيع أن تغازل أدباءنا الكبار بشطر من أرباحها الوفيرة فينتجوا لها القصص الشائقة التي تضاعف مكاسبهم وترتفع بمستوى الشريط المصري الذي أصبح الشرق العربي كله يعتمد عليه في تغذية جماهيره بهذا اللون الحبيب من ألوان المتعة الذهنية
وأخشى ما أخشاه هو أن يكون أدبائنا الكبار أيضاً ينظرون إلى السينما كشيء لا تصله بأدبهم الرفيع صلة. . . تلك النظرة الفجة التي من أجلها كتبنا هذا المقال. . . وأخشى ما أخشاه هو أن يكون الحال كذلك، لأنهم جميعاً، إذا استثنينا الدكتور هيكل، لم يساهموا قط في نهضة السينما المصرية مع أن معظم الذين جربوا كتابة القصة من هؤلاء الكتاب قادرون على تغذية السينما بالروائع التي ترتفع كثيراً إلى أفق الرواية السينمائية الأجنبية، بل إن كثيراً من قصصهم التي انتهوا منها وقدموها للسوق الأدبية صالح للسينما المصرية، وهو إن قدم للسينما يرتفع بها ويستر هذا الخزي المؤلم الذي يشيع في الأشرطة المصرية بلا استثناء. . . وإنه لمن المضحك بل أنه لمن البله ألا تخرج شركاتنا المصرية قصة لأحد من كبار أدبائنا أمثال المازني وطه حسين ومحمود تيمور ومحمود كامل ولاشين