البكري) رحمه الله، هو صوت الله، أليست أرواحنا من روحه تبارك وتعالى!
ورفت ابتسامة حزينة على الثغر المحتضر!
ثم استطالت تلك الابتسامة، وأروتها دموع الموت التي كانت تؤجج في أضالعي جمرات الحزن. . . وكنت في أثناء ذلك أتكلم بكلام لا أذكره. وربما كنت أهذي
ثم أسندت رأسها على الحشية، واستأذنتها في أن أدعو إخوتي، فأشارت برأسها أن لا! ففهمت أنها لا ترى إزعاجهم بما يعتريها الآن من حشرجة. . . ومن يدري. . . فربما آثرت أن تصعد روحها في غير ضجة. . . ومن يدري؟ فربما آثرت أن تنتشلني بهذه الخلوة المقدسة والسكينة السابغة مما كانت تعلم أنني أتردى فيه من ضلال وزلل، وفساد في معتقدي وخطل!
أليست كانت تلح على أن أهتدي فكنت أسخر منها
ألم أحل بينها وبين الحج إلى بيت الله بحجة أنني أحق بنفقة هذا الحج، وهو كان أملها ومتمناها؟!
ألم تكن قد فرغت من شئون الحياة كلها إلا من شأني؟
. . . وكان جحودي يتعاظمها ويشق عليها، فكانت تلجأ إلى فطرتها السليمة البسيطة التي لم تتلفها الفلسفات في الرد علي، فتربكني بهذا السؤال البسيط الذي تتخبط الفلسفات كلها في الإجابة عنه: ومن أوجدك وأوجد هذا العالم؟ ومن يسهر عليك وعليه؟ ألم تفكر قط في نفسك؟ ما هذه الجارحة الصغيرة - وتشير إلى موضع قلبي - التي تخفق بالحب وتجيش بالأمل وتفيض بالخير، والتي تربط الأسر وتخفر الذمم وتسمو بالإنسانية وتبني الملاجئ وتنشئ المستشفيات وتطعم الجائع وتنجد المضطر وتغيث الملهوف وتحرك الأيدي بالعطاء وتذيب الدموع في المحاجر، وتبسم فتبسم الحياة، وتعبس فتعبس الدنيا، وتبصر فيبصر السلام، وتعمى فيعمى العالم وتعمه نيران الحروب؟
أليس بحسبك يا بني أن تكون تلك الجارحة برهاناً على وجود هذا الإله القادر الذي تنكره وتماري فيه؟
ثم أنا. . . ثم أبوك يرحمه الله. . . ألم تفكر في صيرورتنا بعد الموت قط؟ ألا يعز عليك أن نموت فنصير إلى عدم فلا نلتقي أبداً؟! أليس أخلق أن تؤمن بما تقوله لنا السماء؟ أليس