إلى القصاب، يسأله فلذة كبد، فسد باليسرى فاه، وأوجع بالأخرى قفاه. فلما رجع إلى مسكنه كتب إليه توقيعا، يطلب حملا رضيعا، كذلك أنا وردت فلا إكرام بإلمام، ولا صلة بسلام، ولا تعهد بغلام، فلما وجدته لا يبالي، بسبالي، كاتبته اشفع لسواي، وهو موصل رقعتي هذه، وله خصم بينهما قصة لا أسأله في البين، إلا إصلاح الجانبين، والسلام)
وله من رسالة إلى فقيه نيسابور في رجل اغتاب البديع، فرد عليه الفقيه:(فان كان لا بد من انتقام واستيفاء، فأعيذك بالله ان تجهل أن آذان الأنذال، في القذال، وهي آذان لا تسمع إلا من ألسنة النعال الأدم، أو ترجمة أكف الخدم، وعلامة فهمها جحوظ العينين، وخدر اليدين. فان تاب، وإلا كررت هذا العتاب).
وله إلى قيس بن زهير:(أعوز الصوف فبعثت إليك بفرو فطفقت تلوم، وظلت تقعد في العتاب وتقوم، واراني ما بعدت في القياس، ولا خرجت عن متعارف الناس، فالصوف نفس الفرو، إلا أنه نسيج، والصوف نفس الفرو إلا انه حيج، فكل فرو صوف، وليس كل صوف فروا، فان أنصفت وجدت الفرو فطرة، والصوف بدعة، وإن نظرت رأيت الفرو صوفا وزيادة، فكان نعمى وسعادة، والفرو وبر في الشتاء ونطع في الصيف، فان قرسك البرد فالبسه وأنت قيس، وان غشيك المطر فاقلبه وأنت تيس).
وبديع الزمان ليس متكلفا في بيانه، لا يحس القارئ جهد في اختيار الألفاظ أو سياق الأساليب، ولكنه يلتزم السجع في معظم كتابته سنة كتاب عصره.
وقد عاب الجاحظ في المقامة الجاحظية بقلة الصنعة في كلامه بعد أن عابه بأنه لا يحسن الشعر قال:(فهل ترون للجاحظ شعرا رائعا؟ قلنا لا. قال: فهلموا إلى كلامه فهو بعيد الإشارات، قليل الاستعارات، قري العبارات. منقاد العريان الكلام يستعمله، نفور من معتاصه يهمله، فهل سمعتم له لفظة مصنوعة، أو كلمة غير مسموعة؟)
ب - المقامات
يقول الهمذاني في رسالة يعيب فيها شعر الخوارزمي: (وما كنت لأكشف تلك الأسرار، وأهتك تلك الأستار، وأظهر منه العار والعوار، لولا ما بلغنا عنه من اعتراض علينا فيما أملينا، وتجهيز قدح علينا فيما روينا، من مقامات الإسكندري من قوله إنا لا نحسن سواها، وإنا نقف عند منتهاها، ولو أنصف هذا الفاضل لراض طبعه على خمس مقامات، أو عشر