مكان رأي العين. فلا ينبغي إذن أن يقال إن تدبير الرزق بالإكثار من مصانع السلاح والذخيرة مزية من مزايا هذا النظام أو ذاك، فهي مزية ميسورة لكل من يختار هذا العلاج أو يندفع إليه، ولا يزال من المحقق بعد هذا كله أن الديمقراطية تفضل المذاهب الأخرى من شتى نواحيها، لأنها تعترف بالحرية الإنسانية ولا تعجز عن علاج مشكلة البطالة على هذا المنوال حين تشاء
وبعد فأين هو النظام السياسي الذي يسمح لكل من شاء أن يسافر إلى الإسكندرية ويلقي بجسده المتعب على شاطئها؟
هب الفوارق الاقتصادية قد زالت كل الزوال ولم يبق في الأرض إلا أنداد متساوون في الثروة والقدرة على المتاع وأراد هؤلاء أن يذهبوا إلى الإسكندرية فكيف يذهبون؟
أيذهبون إليها بالبطاقات على حسب الدور؟ أي يذهبون إليها دفعة واحدة في أسبوع واحد؟ إنهم على كل حال مقيدون بالإمكان الذي لا سيطرة لهم عليه، ولو استراحوا من تفاوت المراتب واختلاف الأرزاق
يروي أبناء البلد قصة طريفة عن الكلب الرومي والكلب البلدي اللذين اصطحبا على الخير والشر وذهبا إلى سوق الجزارين يبغيان الرزق من وراء الأوضام والسواطير
ذهبا أولاً إلى سوق الروم فإذا الحواجز قائمة على الدكاكين وإذا هي لا تبيح مدخلها لإنسان ولا حيوان بغير حساب، وإذا العظام فيها توضع حيث تصان عن الخطف والاختلاس
وقال لهما صاحب الدكان (إكسو) فخرجوا محرومين جائعين، وطافا النهار على الدكاكين ولم يظفرا بغير إكسو التي يعقبها نذير الخطر، أو بالقليل من العظم المنبوذ الذي لا خير فيه
ثم أصبحا من الغداة على سوق أبناء البلد فلم يحجزهما حاجز عن اللحم والعظم ولم يلبثا هنيهة حتى أصابا الشبعة من اللحم والعظم بغير نصب، وسرهما أن يسمعا صاحب الدكان يقول لصبيه (ناوله) ويشير إلى الكلب الرومي الذي أوغل في داخل الدكان بغير مبالاة لاغتراره بقلة الحواجز والحراس، فحسبا أنها مناولة إكرام وضيافة تغنيهما عن التسلل والاختلاس، وانتظرا هذه المناولة انتظاراً غير طويل، لأن الكلب المسكين لم يشعر بعد ذلك إلا بضربة من الساطور أوشكت أن تقصم صلبه، وانطلق يعوي على غير هدى وهو