وضعت يدي على خمسة تلاميذ اتفاقا دون اختيار، وكانوا من تلاميذ الثقافة، وكان علم البيان مقرراً عليهم وفيه كثير من الأمثلة والشواهد، وسألتهم واحداً واحداً عما حفظوه من شواهد البيان، فلم يكن منهم من يحفظ بيتاً واحداً، ومن المحزن أن الممتحنين لا يقيمون وزنا لذلك، وأن المدرسين لا يقيمون له وزنا أيضاً، فلا هؤلاء يحتمون عليهم حفظ الشواهد، ولا أولئك يرون المقصر في حفظها مقصراً في الامتحان
وهذا إهمال عظيم في الحفظ والتكرار، وهو وإن كان محزنا فان لهم العذر كل العذر فيه، لأنه ثبت في أذهان الجميع معلمين ومتعلمين أن المعول عليه إنما هو القاعدة، فإذا فهمت وحفظت فما عداها من حفظ الشاهد والمثل فضل، ولا يعلمون أن هذا الفضل هو الذي إذا عني بحفظه وتكراره رسم صورة ذهنية، يكتب الناشئ على مثالها، وينسج على منوالها
وقد علمتني التجربة أن ما يؤخذ من المحفوظات في المدارس لا يغني التلاميذ شيئاً، فمن الواجب أن يكلف التلاميذ أن يعكفوا على بعض دواوين الأدب، فيقرؤوها، أو يختاروا منها، ويجمعوا ما يختارون في كراسة ويحفظوه ويفهموا معناه، وتكون هذه الكراسة بيد التلميذ عند الامتحان شاهدة على جده وعمله، فيقدمها للمتحن فيرى أهي كافية أم غير كافية، ثم يمتحنه فيها من أولها ومن وسطها ومن آخرها ليعلم هل حفظ ما اختار
وقد علمتني التجربة أيضاً أن ما يؤخذ من المطالعة في العام الدراسي أمام المدرس لا يغني عن التلاميذ شيئاً، فمن الواجب أن يكلفوا بكتب يطالعونها أثناء العام الدراسي ويكتبون آراءهم فيها ويلخصون محتوياتها، وكذلك في العطلة، ويكون لهذا وذاك دخل في تقدير الدرجات
كل ما في الوجود يشهد لي أن اللغة إنما تكتسب بالحفظ والتكرار وأن القواعد لا تغني في اكتساب ملكة اللغة فتيلا
لعلك جلست إلى بعض الممثلين واستمعت إلى حديثه فرأيته يتكلم بالعربية لا يكاد يخطئ: وينحدر كالسيل، ويهدر كالرعد
ولعلك جلست إلى بطل من أبطال اللغة العربية يعرف قواعد النحو والصرف والبلاغة لا تكاد تخفى عليه منها خافية، فرأيته يتكلم بالعامية لا يكاد يقيم جملة، ولا يستطيع أن يلين لسانه بالعربية، فعجبت كيف يملك الأول هذا القدر من العربية مع جهله، وكيف يقصر عنه