كان الشيخ مصطفى القاياتي من أخطب الخطباء في عصره، كان يخطب ساعة أو ساعتين بلا تلعثم ولا توقف ولا تحيس، وكان لا يلحن أبداً وهو يخطب، ومع هذا كانت الكتابة عسيرة عليه عسراً لا يطاق، فما كان يسهل عليه إنشاء مقال، ولا كان في مقدوره تحرير خطاب
والذي سمع الشيخ مصطفى خطيباً لا يصدق هذا القول، فقد كان خطيباً ثجاجاً، خطيباً عرفته منابر الحزب الوطني قبل أن تعرفه منابر الوفد المصري، فكيف يصعب عليه الإنشاء وكان في الأزهر معلم إنشاء؟
يرجع إلى أنه نشأ واعظاً وكان أهله من الواعظين، فقويت عنده ملكة الخطيب الفصيح، وضعفت عنده ملكة الكاتب البليغ
هل أنسى يوم أنابه الوفد المصري في تأبين الشهيد محمد فريد؟
لقد ألقى خطبة جميلة جداً، ألقاها مرتجلاً وهو يجهل أن جريدة اللواء المصري ستطالبه بالنص، لأن خطبته هي كلمة مندوب الوفد المصري في تأبين الرئيس الثاني للحزب الوطني
عند ذلك دعاني لقضاء لحظة في تحرير الخطبة، فأنشأتها في حدود ما قال، إلا عبارات تأباها السياسة الحزبية، ولكن مكر جريدة اللواء كان أعظم فأضافت إلى الخطبة كلمات قالها الخطيب ولم يسجلها نائب الخطيب!
وتمثل هذا الشذوذ في معرفة الشيخ القاياتي بتاريخ الأدب العربي، فقد كان برغم فصاحته الخطابية لا يفرق بين عصر وعصر، ولا يعرف الحدود بين مراحل التاريخ
كان الشيخ مصطفى ذكياً جداً، ولكنه كان قليل الاطلاع، فكان من الصعب أو من المستحيل أن يخلف الشيخ المهدي في تدريس الأدب العربي
أستاذ بالروح
لم يكد الشيخ مصطفى يطمئن إلى معاونتي حتى شعرت بأن واجبي أن أحفظ سمعة الأزهر والجامعة المصرية، فشرقت في تاريخ الأدب وغربت، وأعددت أربعين محاضرة لو