ويلاحظ المرء أن ثلاثاً من هذه القناطر شيدت على يسار القنطرة الكبيرة - باعتبار مجرى النهر - وواحدة فقط على يمينها
شيد الجسر العباسي من حجارة مزلمة، مختلفة الحجم، قليلة الهندام؛ لكنها مرتبة بنظام، وقد تلاحكت بعضها ببعض بالملاط القوي
وقد يبدو هذا الجسر للناظر، لأول وهلة بسيط التركيب، ضعيف القوام، لكنه بالرغم من مظهره هذا، عاش قروناً طوالاً، وعارك فيضانات الخابور المتدفقة من أعالي الجبال المحيطة بتلك البقاع، ومياه الخابور ذات أمواج متلاطمة مزبدة، وهي في صراع دائم مع الصخور الصلبة التي تكون قعر النهر، وهذا ما يسبب تيارات ودوارات مائية سريعة تجعل الملاحة فيه كالمستحيلة
فوق هذه الأرض الصخرية القاسية شيد الجسر العباسي بقناطره الخمس ودعائمه الراسخة
وقد تطرقت العالمة الرحالة (جرترود بيل) إلى هذا الجسر في رحلتها المعروفة (من مراد إلى مراد)؛ لكنها قالت إنه يتألف من أربع قناطر، بينما هي في الواقع خمس كما أسلفنا.
٤ - تشييده:
تضاربت الروايات في أمر تشيد هذا الجسر، وذهب الحدس والتخمين في ذلك كل مذهب، وما ذلك إلا لعدم وجود كتابة عليه تفصح عن زمن تشيده، أو نقوش تسعف الباحث في تقدير تاريخه، فضلاً عن صمت المؤلفات القديمة وعدم ذكرها له. ولأهالي تلك البقاع أسطورة يتداولونها فيما بينهم، ومنهم سرت إلى بعض كتب الرحلات الأجنبية. وخلاصتها أن هذا الجسر كان على ما يقولون قد سقط ثلاث مرات متتاليات عند محاولة تشيده حتى نفذ صبر البناءين وضاقوا ذرعاً بالأمر، فقال رئيسهم: يا قوم إن قائمته لن تقوم ما لم يضح في سبيله بدم بشري، على أن تكون ضحيته أول عابر طريق
وما هي إلا هنيهة وجيزة حتى أقبلت بنت عذراء اسمها (دلالي) فساقها القدر إلى أن تكون أول من يقع عليها القرار الذي أشار به رئيس البنائين، فاستيقت تلك الفتاة قسراً وأدمجت في الحال ببناء الجسر وهي حية، وترك طرف ذراعها ذات السوار الذهبي بادياً للعيان، ولكن من تلك الفتاة يا ترى؟ إنها كانت ابنة رئيس البنائين نفسه. ولكن هل لذاك الرئيس