للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والقافية من مصطلحات الخليل وإن وردت من قبل، ومعناها في أقوالهم هو غير ما أراده الصائغ وقوله النعمان. وقد اختلفوا في حدها (أعني القافية) على اثني عشر قولا. . .

ومن بديع ما يروى أن علم القافية (واضعه امرؤ القيس ابن ربيعة المعروف بالمهلهل خال امرئ القيس بن حجر الكندي) واللاغي بهذا القول قد سلب الخليل بن أحمد الفراهيدي حقه سلباً عجبا، وظلم عبقريته ظلما عبقرياً

واضع علم العروض والقوافي في العربية هو الخليل، ولن يضع من قدره شيئاً أنه علم أن عند الإغريق عروضاً، أو حدثه بذلك عالم باليونانية، أو أطلعه على باب من هذا الفن عند القوم. ففي (الغيث المسجم في شرح لامية العجم) للعلامة صلاح الدين الصفدي:

(وذكر لي العلامة شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري أن الشعر اليوناني له وزن مخصوص، ولليونان عروض لبحور الشعر. والتفاعيل عندهم تسمى الأيدي والأرجل. قال: ولا يبعد أن يكون وصل إلى الخليل بن أحمد شيء من ذلك، فأعانه على إبراز العروض)

إن فضل الخليل في إبداعه عظيم - وإن صح ما ذكر ابن ساعد - ولن يصغره أقل تصغير منبه حقير نبهه فتفطن لما تفطن له، وأغرب ذلك الأغراب، وخاض في تلك البحور. . .

وقل في (علم العربية) ما قيل في غيره، فلن يضع من قدر الناحين الأولين أنهم علموا أن عند السريان واليونان قواعد للغاتهم، فنحوا في ترتيب قواعدنا نحوهم

وإذا عرفنا واضع علم فن العروض، فإنا من واضعي النحو في لبس كبير. وأما قول ابن أبي الحديد في شرح النهج أن أحد كبار الصحابة (رضى الله عنهم أجمعين): (هو الذي ابتدعه وأنشأه وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه وأصوله، من جملتها: الكلام ثلاثة أشياء: اسم، وفعل، وحرف، ومن جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة، وتقسيم وجوه الإعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم. وهذا يلحق بالمعجزات؛ لأن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر ولا تنهض بهذا الاستنباط)

قول ابن أبي الحديد هذا هو أملوحة من الأماليح، وأبو الحسنين (رضوان الله عليه وعلى ابنيه) كان معلم بطولة وأخلاق، وكان بانياً من بناة هذه الأمة، ولم يكن أستاذاً من أساتذة

<<  <  ج:
ص:  >  >>