للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهزت الشجرة رأسها قائلة (إن ورودي حمراء، كقدم الحمامة في حمرتها، أو هي أشد حمرة من مراوح المرجان الهائلة التي تتماوج في جوف الخضم، ولكن الشتاء جمد عروقي، والصقيع نثر براعمي، والعاصفة قصفت غصوني، ولذلك فسوف لا ألد وردة هذا العام)

فقال البلبل (ان كان ما أطلبه وردة حمراء واحدة، وردة واحدة فقط. أو ليس من سبيل إلى تلك الوردة)؟

وأجابته الشجرة قائلة (هناك وسيلة إلى مبتغاك، ولكنها جد مخيفة حتى أنني لا أقوى على ذكرها).

ولكن البلبل رد بقوله (هات ما عندك فلن أخاف شيئا)

وحينئذ قالت الشجرة (إذا كنت تريد وردة حمراء فعليك أن تبغيها بألحانك في ضوء القمر ثم تفرغ عليها دم قلبك. عليك أن تغنيني، وصدرك مسند إلى شوكة من أشواكي، وعليك أن تقطع الليل كله صادحاً على أن تدع الشوكة تنفذ إلى قلبك حتى يتدفق دم حياتك في عروقي ويصبح لي)

وصاح البلبل قائلا (كثير أن أقدم حياتي ثمناً لوردة حمراء، وحياة كل مخلوق غالية عنده. لشد ما يبهجني أن أجلس في الغابة الخضراء وأرقب الشمس تجري في مركبها الذهبي، والقمر في مخدعه اللؤلؤي. ما أجمل منظر الزهور في عدوتي الوادي وعلى سفوح التلال، وما ألذ النسيم ينشر في الجو عطره الفياح. على أن الحب أحسن من الحياة، وما قيمة قلب طائر اذا قورن بقلب رجل)؟

ونشر البلبل أجنحته البنية وارتفع في الجو وعبر الحديقة كما يعبر الطيف، حتى أتى الطالب فوجده حيث تركه لما يزل مستلقيا على العشب، ولم تجف الدموع في عينيه الجميلتين، فوجه إليه الخطاب قائلا: (أبشر أيها الفتى ولا تحزن فسآتيك بالوردة الحمراء. سوف أبغيها بأغاني ضوء القمر، وسوف أصبغها بدماء قلبي، وكل ما أطلبه منك في نظير ذلك أن تظل وفياً في حبك، فان الحب أكبر عقلاً من (الفلسفة) وان اشتهر بالحكمة، وأشد سلطانا من القوة وإن اشتهرت باليأس. ان أجنحته حمراء كاللهب، وان جسده مشبع الصبغة من ذلك اللون المتوهج، أما شفتاه فحلوتان كالشهد، وأما أنفاسه فعطرات كالعنبر المتضوع.

<<  <  ج:
ص:  >  >>