وهو أخونا الأستاذ محمد الههياوي، على روحه ألف تحية وألف سلام
مات الههياوي بعد أن كافح في سبيل الأدب وفي سبيل الوطن أعواماً نيفت على الثلاثين. والذين عرفوا الههياوي كما عرفته يؤمنون بأنه كان قوة وطنية وأدبية قليلة الأمثال
نشأ الههياوي نشأة أزهرية - وكان أبوه من كبار العلماء بالأزهر الشريف - ولكنه تمرد على الأزهر في وقت مبكر، وانطلق إلى ميدان الحياة الأدبية والوطنية بقوة وعنف، ومضى يصاول ذات اليمين وذات الشمال، إلى أن ظفر من قلوب عارفيه بمنزلة لا يظفر لا كرام الكاتبين
يجب أن نقول كلمة الحق في الأستاذ الههياوي، بعد أن رأينا أنه لم يرث إلا بكلمات قصار لا تنقل من شمائله غير ملامح غامضة المعاني، وبعد أن رأينا أصدقاءه يمنون على الوفاء بأنهم جازفوا براحتهم فشيعوا جنازته في عصرية وهاجة القيظ!
كان الههياوي يجد في كل ما يكتب، وكان جده أثراً من صدق العقيدة في الأدب والوطنية والدين، وكان مع جده الصارم غاية في حلاوة الدعابة، فهو المنشئ لأكثر دعابات (الكشكول) يوم كان لمجلة الكشكول سلطان
وفي الأعوام التي اشتد فيها الخلاف بين الحزب الوطني والوفد المصري كان الههياوي أخطر كاتب نافح عن الحزب الوطني، وقد أبلى بلاءً حسناً في مقاومة (مشروع ملنر)، ولم يتركه إلا بعد أن مزقه كل ممزق، ومجموعة (جريدة الأمة) تشهد بصدق ما نقول
اشترك الههياوي في تحرير كثير من الجرائد والمجلات، وكتب في الجد وفي الهزل، ولكنه في جميع أحواله كان قوي المنطق، متين الأسلوب وكان الههياوي شاعراً من الطراز الجيد، ولو جمعت قصائده الجدية لكان من مجموعها ديوان نفيس. أما قصائده الهزلية فهي غاية في اللطافة، وكانت توقع باسم (الشاعر إياه) في مجلة الكشكول
وإذا كان الرجوع إلى الجرائد القديمة يتعب من يريد معرفة القيمة الصحيحة لهذا الكاتب، فأنا أوصي بمراجعة كتاب (الطبع في الشعر) وقد نشرته (مكتبة النهضة)، وهو كتاب يشهد لمؤلفه بالبراعة الفائقة في شرح الدقائق من أسرار البيان
وللههياوي كتاب اسمه (مصر في ثلثي قرن)، وهو كتاب يصور آمال مصر وآلامها في العصر الحديث، وفيه وثبات من الفكر، وبوارق من الخيال