وأطاع البلبل فاشتد ضغطه على الشوكة، وكانت ألحانه تعلو شيئاً فشيئاً إذ أخذ يغني عن العاطفة، وكيف تنشأ في نفوس الفتيان والأوانس. وهنا تمشت حمرة خفيفة في الوردة، حمرة أشبه بتلك التي تصبغ وجنة العروس عندما يطبع أول قبلة على شفتي عروسه! ولكن الشوكة لم تكن حينذاك قد وصلت إلى قلبه، فبقي قلب الوردة أبيض، فلن يصبغه بالحمرة إلا الدم المنبعث من صميم قلب البلبل ولذلك صاحت الشجرة بالبلبل قائلة: أقبل بصدرك على الشوكة أيها البلبل الصغير وإلا طلع النهار ولما تتم وردتك).
وزاد البلبل الشوكة ضغطا حتى مست قلبه فاشتد ألمه، وكان غناؤه يزداد ارتفاعا كلما اشتدت حدة الألم، كانت ألحانه تتجه اتجاها غير متزن، إذ كان حينذاك يغني عن الحب كيف يصل به الموت إلى الكمال وكيف يضمه القبر، فلا سبيل إلى تغيره في هذا المثوى الأخير.
وهكذا اكتست الوردة لونا قرمزيا، سرى في جميع أجزائها، وكان صوت البلبل المسكين يتضاءل، وكانت أجنحته ترف وقد مرت غشاوة أمام بصره حتى وصل لحنه إلى صوت خافت وأحس بحشرجة في حنجرته.
وأطلق البلبل آخر نغماته فسمعها القمر الوضئ، فنسى مطلع الفجر وتلكأ في صفحة السماء، وسمعته الوردة الحمراء فاهتزت اهتزاز الغبطة، وفتحت أوراقها لنسيم الصباح، وحمل الصدى هذا اللحن إلى الكهف القائم على سفح التل فبدد أحلام الرعاة وأيقظهم من سباتهم، ثم سبح هذا اللحن خلال اليراع المتمايل على ضفة النهر ومن ثم اتخذ سبيله إلى البحر.
وخاطبت الشجرة البلبل قائلة، ها هي ذي الزهرة قد تمت، انظر بعينك إليها ما أجملها، ولكن البلبل لم يجب فقد لفظ أنفاسه وسقط جثة هامدة بين الحشائش، والزهرة مغموسة في صدره. وعند الظهيرة فتح الطالب نافذته وألقى ببصره إلى الحديقة فصاح قائلا (ياله من حظ سعيد ها هي ذي وردة حمراء. لعمري ما رأيت وردة كهذه في حياتي. إن جمالها ليميل بي إلى الاعتقاد بأنه لابد أن يكون لتلك الوردة اسم لاتيني طويل) ثم ذهب إليها فقطفها.