على أننا قد أخذنا بالحيطة والحزم، فلم نمنع القواعد إلا في الأقسام الأولية والابتدائية فجعلنا التعليم فيها بالحفظ والمحادثة فقط، أما في مرحلة التعليم الثانوي وفي مرحلة التعليم العالي فقد جمعنا بين الطريقين، طريق القواعد وطريق الحفظ، فإن لم يزدها قوة فليس يزيدها ضعفاً، وهذا ريثما يبين للناس بالتجربة صلاحية الطريقة الجديدة لتعليم اللغة، فإذا بان صلاحها رفعنا القواعد إلا من التعليم العالي ومن المعاهد التي تعد معلم اللغة العربية
إن ما يقال من الصعاب التي تعترض من يريد تكوين ملكة اللغة العربية، والتي تدفع بعض الناس إلى أن يظنوا أنها تجعل اكتساب هذه الملكة متعذراً ومحالاً إنما هو منبهة على مواضع العقاب في تحصيلها، وليس من المحال التغلب على شتى هذه العقاب والصعاب. فلنتلاف منها ما يمكن ملافاته، ولنبق للزمن ما عليه أن يتمه، وما دمنا نبذل الجهد المضني والزمن الكثير الذي هو رأس مالنا في تعلم العربية فعلينا أن نزيل من معوقات هذه الملكة كل ما تمكن إزالته، وإلا كنا نهدم باليسار ما نشيده باليمين
علينا أن نجعل أغانينا باللغة العربية ولا نسمح للغة العامية أن تكون لغة الغناء ما دام ذلك يعوق ملكة العربية ونحن نبذل الجهد والمال في اكتسابها، ولا يصح أن نتناقض في أفعالنا
علينا أن نجعل روايات المسرح باللغة العربية ولا نسمح للعامية أن تحتل المسرح لأن ذلك يعوق ملكة العربية فينا، ونحن قد ملأنا برامج تعليمنا باللغة العربية لنتعلمها، ولا نحب أن نكون كذلك الممثل الذي ظهر على المسرح وبيده اليمنى أوراق، وبيده اليسرى أوراق، فقيل له ما بيدك اليمنى؟ فقال قوانين. قيل له وما بيدك اليسرى؟ قال نسخ هذه القوانين
علينا أن نحتم أن تكون لغة المجلات هي اللغة العربية ولا نسمح للعامية أن تحتل مكاناً فيها للعلة نفسها، وهكذا الشأن في الإذاعة وفي الصحافة
وإذا كنا إذا بنينا بناء وشيدناه، وبذلنا المال في تشيده لا نسمح لغيرنا أن يهدمه، فحري بنا ونحن نبني ملكة اللغة العربية فينا، وننفق في سبيلها كرائم أموالنا، وزهرة شبابنا، وأعز جهودنا ألا نسمح للمسارح ودور التمثيل والمغنين والمغنيات أن يهدموا ما نبنيه
وعلينا أن نبكر في تلقين التلاميذ نماذج من المحفوظات العربية، وقد سهلت مدارس رياض الأطفال علينا هذه المهمة، فالتلاميذ يذهبون إليها في سن مبكرة، فعلينا نحن أن نبتهل هذه