ولكنه فهم معناها كما يفهم معاني اللغة الفرنسية حين تلقى إليه. سألته في هذه اللغة الغريبة، وفي ابتسام ليس اقل منها غرابة قائلة من تكون؟ لقد عرضت لكثير مثلك من الناس منذ عشرات القرون، فروعتهم ترويعا على اختلاف أجيالهم وبيئاتهم، وتفاوت درجاتهم في العلم والجهل، وفي الغفلة والذكاء، حتى اتخذت ترويع الناس لذة من أهون اللذات، إذا فرغت مما أنا فيه من أعمال الجد التي تحملني كثيرا من الألم والعناء. حدثني من تكون؟ ولا بأس عليك من أن تجيبني باللغة الفرنسية فسأفهمها عنك، كما تفهم أنت عني الآن هذه اللغة الحميرية، التي لا يتكلمها أحد من الناس في هذه الأيام، والتي يجد علماؤكم في قراءتها وتفسيرها، واستنباط قواعدها وأصولها. حدثني من تكون أيها الفتى الذي عجزت عن ترويعه والعبث به؟ قال الأديب الفرنسي ملرو، وهو ينظر هادئا مبتسما إلى هذه الجنية: بل حدثيني أنت من تكونين؟ فإني لم اعرض لك، وإنما عرضت لي، وإني لم احفل بك، وإنما حفلت بي، وإني لم ادن منك، وإنما دنوت مني، وإني لم أحاول سحرك بلحظ ولا لفظ، ولا حركة ولا عبير، فما ينبغي لك أن تسأليني، وإنما ينبغي لي أن أسألك. ومع ذلك فإني لم أسألك حتى بدأتني بالسؤال، ومع ذلك فإني قادر على أن أعفيك من الجواب وعلى أن أدعك تمضين في طريقك، فما اكثر من يعرض لي من أمثالك، وما اكثر ما أتحدث إليهن وما يتحدثن إليّ، ولئن فاتني أن أعرفك واسمع من أنبائك فقد عرفت من قبلك خيالات أخرى، أستطيع أن أستأنف لقاءها متى شئت، وان أقص عليها من أنباء الأحياء، وتقص على من أنباء الأموات. قالت الجنية أو قال الخيال: ما شد طغيانكم أيها الناس، إنكم لضعاف أشنع الضعف، ولكن المكر يجعل ضعفكم قوة، وذلكم عزة، وجهلكم علما. حدثني يا فتى من تكون؟ وإلا فإني قادرة على أن أسوءك، قال بل حدثيني أنت من تكونين، واستيقني انك لا تقدرين من الإساءة إلي على شيء، بل أنا قادر إن شئت على أن اغلق بيني وبينك الباب، واقطع بيني وبينك الأسباب. وأي شيء ايسر من أن امضي إلى هذه الناحية، فإذا أنا في مملكة اليقظة التي لا وهم فيه ولا خيال، والى هذه الناحية فإذا أنا في مملكة النوم العميق التي لا تستطيع الأحلام أن تدنو منها أو تجد إليها سبيلا. قالت فإني أراك على قوتك ذكيا ماهرا، تحسن الحوار وتعرف كيف تقطع الطريق على خصومك ومحاوريك. ما أرى ألا انك جني قد اتخذت شكل إنسان، وما أرى إلا إننا نستطيع أن نتفق