ورجال التربية في القديم والحديث والشرق والغرب طالما دعوا إلى تعليم اللغات بالحفظ والتكرار والمرانة والدربة، وبينوا أن القواعد والقوانين لا تعلم اللغة ولا تكون ملكتها، وطالما نددوا بهذه الطريقة التقليدية، وبهذا الأسلوب العقيم في تعليم اللغة؛ فابن خلدون الفيلسوف الاجتماعي م ٨٠٨هـ بين في مقدمته أن اللغة ملكة، وأن الملكات لا تكتسب بالقواعد؛ إنما تكتسب بالحفظ والتكرار. قال في فصل عنوانه (أن اللغة ملكة صناعية) اعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة؛ إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني. . . (والملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال، لأن الفعل يقع أولا وتعود منه للذات صفة، ثم تتكرر فتكون حالا، ومعنى الحال أنها صفة غير راسخة، ثم يزيد التكرار فتكون ملكة، أي صفة راسخة)، ثم بين أن ملكة هذا اللسان غير صناعة العربية ومستغنية عنها في التعليم، وكان حرياً بأهل القرن الثامن وما تلاه من قرون أن ينتفعوا بآرائه وبما بسطه هذا العالم المجدد ودعا إليه من آراء في التربية، ولكن ابن خلدون رجل سبق عصره فلم تنتفع به أمم الشرق، ومن المؤلم أننا في عصرنا الحديث لم نفك قيود التقليد، وننفض عنا غبار الكسل، ونحرر أنفسنا من هذه الطريقة التي تلاحقنا نتائجها إخفاقا بعد إخفاق، وخيبة أثر خيبة
هذا حديث الشرق وحديث الغرب أعجب، فما من كاتب كتب في التربية إلا وأنحى على طريقة القواعد، ورأى أن اللغة لا تعلم إلا بالحفظ والمحادثة؛ فروسو رجل الفكر الفرنسي في القرن الثامن عشر نبه في صراحة على أن اللغات يجب أن تعلم بواسطة المحادثات لا بواسطة الصرف والنحو. والدكتور غوستاف لوبون المفكر الفرنسي ذكر في كتابه روح التربية أن الأمم الراقية لا تأخذ التلاميذ في تعليم اللغات بكتب النحو وإنما تأخذهم بالكلام المألوف. ثم قال وهذه الطريقة لا تحرم التلاميذ درس النحو. فهو يدرس النحو أحسن درس بهذه الطريقة اللاشعورية التي تحول النحو إلى ملكة راسخة لا إلى تكلف وتعمل. . .
ودعا سبنسر الفيلسوف الإنجليزي في كتاب التربية إلى تعليم اللغات بأسلوب أشبه بسنن الطبيعة التي يتعلم بها الطفل لغته الأصلية بلا معين ولا مرشد فيضمحل التعليم بواسطة القواعد ويعتاض عن ذلك بطرق ناجعة، وذلك ما أفضى إلى تأجيل تعليم علوم النحو والصرف والبلاغة للطلاب. واستأنس في ذلك برأي المسيو مارسيل الذي ذهب فيه إلى أن