النظم منه، لا مرة واحدة، ولكن مرات متعددات، أما أن نقطع بأن هذا البحر خير من ذاك لأغراض الشعر المرسل دون أن نجري من التجارب ما يؤيد ما ذهبنا إليه فتصرف قد يضيع على الأدب المصري كثيراً من جهود المجاهدين. ولقد ذكرنا في الفصل الأول من فصول الشعر المرسل أن الشعراء الإيطاليين والشعراء الإنجليز قد انتهوا من تجاربهم على أن البحر الأيامبي ذي المقاطع العشرة هو اسلس البحور للنظم المرسل، فهل أجرينا نحن أيضاً تجاربنا على بحورنا كلها لنكشف أفضالها لهذا الغرض؟
وبعد، فهل تصلح مأساة سيدنا عثمان لمسرحنا المصري؟ وهل لا نزال نشفق على إظهار شخصياتنا الدينية، شبه المقدسة على خشبة المسرح؟ وهل عندنا الممثلون الصادقون الذين يصح أن نكل إليهم تمثيل هذه الشخصيات؟ وإن صح أن لدينا الممثلين، فمن منهم يؤدي دور سيدنا عثمان أحد العشرة الأولى من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ عثمان. . . هذا الرجل (الطيب!) الذي أجاد أبو حديد تصويره، كما أجاد تصوير علي. هذا الناصح الحازم الأمين؟ ثم عبد الرحمن بن عوف! هذا الصحابي العظيم الصريح. . .
أما صلاحية المأساة لمسرحنا فأمر لا مراء فيه، فهي حافلة بالمشاهد الجليلة التي تزلزل القلب، والتي صورها أبو الحديد، فأحسن تصويرها، وإن يكن عجل في بعض المواقف التي كانت تقتضي الإطالة، وأوجز حيث كان ينبغي الإطناب
أما مظنة الإشفاق من إظهار شخصياتنا الدينية على المسرح فلم يعد هناك ما يبررها، وما دمنا نأخذ بأن الأعمال بالنيات وأن لكل امرئ ما نوى؛ وما دمنا، كما ذكرت في مناسبة سابقة، نستثني شخصيات الأنبياء استثناءً مؤقتاً. . . ولعل الجامعة الأزهرية التي أخذت تفهم روح العصر وتستجيب للنداء الجديد الذي هو في الأصل نداء الإسلام الحق، أن يكون لها مسرحها الديني في المستقبل القريب، فتكفينا شر الخلاف في هذا الموضوع
أما ممثلونا، فأنا شديد الإيمان بمقدرتهم خصوصاً إذا مثل معظمهم دور مروان بن الحكم والأدوار الأموية!!. . . على أن لدينا من المخرجين المثقفين الذين أشربوا الروح الإسلامي ما يضمن لنا خلق الملائكة من أولئك الشياطين!
بقيت كلمات عن لغة المأساة، وعن مطابقة وقائعها لما انتهى إليه المحققون من مؤرخي التاريخ الإسلامي، وعن الروح التي أملت على المؤلف اختيار هذا الموضوع بالذات