والظاهر أن الدكتور طه يتوهم أن الكهانة ظاهرة شرقية لا غربية، وذلك توهم طريف، لأن الدكتور طه نفسه يشهد بأن سقراط قد استلهم الكهان، مع أنه في زعم الدكتور طه أول محرر للعقل الإنساني من أغلال الأضاليل
وأقول بعبارة صريحة إن الكهانة لم تصر مهنة مقدسة إلا في عهود الوثنية اليونانية، فقد كانت لها معابد، وكان لمعابدها سدنة وأمناء، وكان المصير لكل معضلة فردية أو قومية رهيناً برأي (الصوت المتنكر) في زوايا الظلام المنشور فوق معابد اليونان
أما كهان الشرق فكان مركزهم في المجتمع أيسر وأخف، لأن الشرق سبق الغرب إلى استيحاء العقل، وهل يستطيع مكابر أن ينكر فضل الشرق في السبق إلى رفع القواعد من الحضارة الإنسانية؟
ثم ماذا؟ ثم يجيء الكلام عن تفرد الشرق بالأنبياء، وهنا تثور المعضلة من جديد، معضلة الموازنة بين الشرق والغرب
وأقول إن النبوات في الشرق دانت الإنسانية بديون يراها الحاضر ويذكرها التاريخ، فالأنبياء الثلاثة موسى وعيسى ومحمد من أرومة عربية، وهم قد شرقوا وغربوا، وملئوا الدنيا ضجيجاً فكرياً وروحياً في أزمان لم تعرف سوى الذي ثاروا من صيال الآراء.
إن الصراع بين الإسلام والنصرانية هو أول وثبة جريئة لإيقاظ العقلية الإنسانية، ولا نستطيع أن نتصور مدنية حقيقية تقوم على الفكر والرأي قبل الصراع الذي ثار بين المسلمين في الشرق والنصارى في الغرب
ومع أن الديانة الموسوية قد هزمت منذ أجيال، فنحن نشهد كيف قاتلت قتال المستميت، وكيف استبقت أنصارها على وجوه التواريخ
الفكر الشرقي هو الذي زود الديانة الموسوية بزاد النضال، وهي لم تهزم إلا بقوة شرفية، فما جلا اليهود عن بلد بعد جلائهم عن الجزيرة العربية
وطغيان هتلر وأعوانه في طرد اليهود من ألمانيا لم يكن إلا نزعة عنصرية، وثورة هتلر وأعوانه على الديانة المسيحية صورة من ثورته على اليهود، لأن المسيح يهودي العرق، وله في بلاد العرب أخوال
ومن المضحك أن نرى النازيين في أوقات كروبهم يفزعون إلى الكنائس، مع أنها معابد