الخطة الجائرة لا تعصباً أعمى لشعرائنا، وإن يكن التعصب البصير ديناً لهم في أعناق الكتاب المصريين جميعاً، ولكن لأن الدكتور قد جاوز حد الدعابة إلى حد الجد، وأقول حد الدعابة، لأنني حسبته إنما يداعب شعراءنا أول الأمر، ولأن الموازنات التي ذهب إليها كانت كثيراً ما تغثي النفس وتقبض القلب، وتتعمد الغض من أقدار الشعراء المصريين تعمداً باطلاً بلغ حد الخطورة على سمعة الأدب المصري والشعر المصري، الذي هو مع ضيق آفاقه التي نشكو منها دائماً، ألمع مظهر من مظاهر هذا الأدب
ففي مقالنا عن - تجديد الأدب العربي - بالعدد (٥٣٥) من الرسالة، كتبنا كلمات ثناء في شعرائنا الشيوخ ننفي بها ما كان يحتمل أن يفهم من أننا نقصر الرجاء على شعرائنا الشباب في القيام بتجديد الشعر العربي شكلاً وموضوعاً، فلما بلغنا الكلام عن الأستاذ العقاد قلنا إننا كنا نضع فيه أملنا للنهوض بأعباء تلك الثورة، لكن أملنا هذا - خاب - بهذا التعبير، حتى لا يظن أحد إنما نحتمي بأحد من ردنا على صديقنا مندور. . . وذلك لأن العقاد آثر أن يسلك الطريق القديمة للشعر العربي شكلاً وموضوعاً. . . ولكننا قلنا قبل هذا في المقال نفسه. . . (أما العقاد العظيم فهو شاعر المعاني غير مدافع، والذين زعموا أنه لا شأن له بالشعر هم قوم قليلو البصر بالشعر، بل ربما كان الأحسن ألا يكون لهم هم شأن بالشعر، ولو أن العقاد كان يعنى بديباجته وتجويد أسلوبه الشعري لخر أمامه أولئك النقاد جثياً. . .)
هذا ما قلناه نثبته هنا لأنه هو الذي أحفظ علينا الأستاذ مندور وذلك لأنه هو قائل تلك القولة الجريئة التي تدل على قيمة أحكامه (المائعة!) كما عبر عنها مناظرة الأستاذ المعروف، والتي يصدرها في غير وعي ليهدم أمجاد شعرائنا والعقاد ومدرسة العقاد في مقدمتهم. . . الدكتور مندور هو الذي قال: إن العقاد لا شأن له بالشعر، وهو قول يكفي للرد عليه أن نقول ما قلنا، لأن الذين يقولون هذا هم قوم لا بصر لهم بالشعر حقاً، بل ربما كان الأفضل ألا يكون لهم شأن بالشعر على الإطلاق. . . نقولها اليوم صرحاء بعد إذ كنا نلمح بها تلميحاً عسى أن ترعوي تلك الطائفة من الكتاب الذين لا هم لهم إلا هدم شعرائنا الذين نعتز بهم جميعاً وبلا استثناء لأنهم أعز علينا من ألف كاتب فج من أمثالهم. . . ونحب أن نطمئن قراءنا وأن نطمئن الصديق الحميم الأستاذ مندور، فنحن لم نر العقاد في