للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وفي القرآن شواهد على صحة هذا القول، فهو يؤثر الرقة في مقام الوعد، ويؤثر الجزالة في مقام الوعيد، ونثر القرآن نثر جاهلي، كما بينت ذلك في كتاب (النثر الفني)، لأنه نزل على العرب وهم جاهليون لا إسلاميون

لحظة مع الشيخ مصطفى عبد الرازق

هي لحظة قصيرة أتعالم فيها عليه، لأزعم أني أعرف من أسرار البلاغة أكثر مما يعرف، وهيهات ثم هيهات!

هذا الشيخ صورة من أدب النفس، والتحامل عليه لا يليق،. لأنه يرحب بهجومي عليه، ويسره أن أسجله في أي ميدان، وأنا سأشرح صدره فأقدم إليه فائدة بلاغية لم تخطر في باله عند تأليف الكتاب

لقد نص في كتابه على أن الرقة في شعر البهاء زهير هي الطبع، وأن الجزالة هي التطبع، وأن البهاء لم يؤثر الجزالة إلا في الظروف التي يحاول فيها منافسة خصومه من أعيان الشعراء

وأقول بأن الجزالة في شعر البهاء قضى بها الطبع لا التطبع لأنه من وحي المقام لا من وحي التكلف، وإلا فما الذي يريد الشيخ مصطفى أن يقول البهاء وهو يذكر انتصار الملك الكامل، وإجلاءه الإفرنج عن ثغر دمياط؟

هل كان ينتظر أن يصطنع لغته في الغزل، اللغة التي يرق بها فيقول:

سِّلمْ عليّ إذا مرر ... تَ فلا أقلّ من السلامِ

الغدر في كل الطبا ... ع فلا أخصّك بالملام

ما أكثر العذّال في ... ولهي عليك وفي غرامي

هَبْني كتمتهمُ هوا ... كَ فكيف أكتمهم سقامي

هذه لغة في رقة الخد الأسيل، وهي هنا مقبولة لأنها أشبه بمناغاة الحبيب للمحبوب، ولكنها لا تصلح للتعبير عن اصطخاب القلوب عند انتزاع ثغر دمياط من أوشاب المغيرين

أمن التكلف أن يقول البهاء في مدح الملك الكامل:

بك أهتز عِطف الِّدين في حُلَل النصر ... ورُدَّت على أعقابها مِلّة الكفرِ

وليلةِ غزوٍ للعدو كأنها ... بكثرة من أرديته ليلة النحر

<<  <  ج:
ص:  >  >>