فيا ليلة قد شرَّف الله قدرها ... ولا غرو إن سميتها ليلة القدر
سدَدْتَ سبيل البر والبحر عنهمُ ... بسابحةٍ دُهْمٍ وسانحةٍ غُرِّي
أساطيل ليست في أساطير من مضى ... بكل غرابٍ راح أفتك من صقر
وجيش كمثل الليل هولاً وهيبةٌ ... وإن زانه ما فيه من أنجم زُهرِ
وكل جوادٍ لم يكن قطّ مثله ... لآل زهير، لا، ولا لبني بدر
وباتت جنود الله فوق ضوامر ... بأوضاحها تُغنِي السُّراة عن الفجر
كفى الله دِمياط المكاره إنها ... لَمِن قبلة الإسلام في موضع النحر
وما طاب ماء النيل إلاّ لأنه ... يحلّ محل الريق من ذلك الثغر
فهذا الشعر يراه مصطفى باشا مجاراة للقدماء، لغلبة الجزالة عليه. ولكن الواقع أن الجزالة هنا ضرورية، لأن المقام لا يسمح بالرقيق
وعند مراجعة القصائد الموسومة بالجزالة نرى مقامات الكلام هي التي فرضت على الشاعر أن يختار الجزل، وهذا من دقائق الصناعة الشعرية، فلا موجب للحكم بأنه يخرج على الطبع ليساير القدماء
ولنذكر مثالاً ثانياً من الجزل هو قوله في مدح الملك الصالح نجم الدين أيوب:
ولقد سعيت إلى العلاء بهمةٍ ... تقضي لسعي أنه لا يُخفق
وسريتْ في ليلٍ كأنّ نجومهُ ... من فرط غيرتها إليَّ تحدَّق
متى وصلتُ سرادق الملِك الذي ... تقف الملوك ببابه تسترزق
فإليك يا نجم السماء فإنني ... قد لاح نجم الدين لي يتألق
الصالح الملِك الذي لزمانه ... حُسْنٌ يتيه به الزمان ورونق
ملأ القلوب مخافةً ومحبةً ... فالبأس يُرهَب والمكارم تعشق
فعدلت حتى ما بها متظَّلمٌ ... وأنلت حتى ما بها مسترزقُ
يا من رفضتُ الناس حين لقيتهُ ... حتى ظننت بأنهم لم يُخلقوا
قيدتُ في مصرٍ إليك ركائبي ... غيري يغرِّب تارةً ويشرِّق
وحللت عندك إذ حللت بمعقلٍ ... يُلقى إليه ماردٌ والأبلق
وتيقّنَ الأقوام أنيَ بعدها ... أبداً إلى رُتب العلا لا أُسبق