الكتابة للقراءة المترفة، أو القراءة للذة الفنية التي يتقنها توفيق الحكيم إتقاناً عجيباً لا نعرفه لغيره من كتابنا المصريين. وإني حينما أقول إن الكتابة للمسرح شيء آخر غير الكتابة للقراءة المترفة، لا أعني أن ألقي درساً على أحد، أستغفر الله. بل أعني أنه يحسن ألا يغالط أحدنا الآخر على هذا النحو؛ فلقد سرني جداً ما ذكره الأستاذ توفيق في كتابه (زهرة العمر) الذي لم يتسع هذا الفصل للتحدث عنه، من أنه أخذ يعنى لقراءة (برنردشو) في لغته الأصلية، أي الإنجليزية، بدلاً من أن ينتظر ترجمته إلى اللغة الفرنسية التي كانت تيسر له قراءة هذا الرجل الذي يعتبر من غير شك (عاهل المسرح الحديث) في العالم قاطبة. . . وسوف يسرني أكثر أن يكون الأستاذ توفيق قد وازن بين (فن شو) المسرحي وما في قصصه هو من هذا الفن المسرحي. ولسوف يسرني أكثر وأكثر أن يكون قد وازن بين (مثل شو) العليا، ومثله هو، تلك المثل التي تعنى بالفن من أجل الفن، قبل أن تعنى بالفن من أجل الحياة.
هذا. . . ولست أوصي الأستاذ الحكيم بدراسة إبسن أو بجورنسن من كتاب الدرامة السكندنافيين، أولئك الكتاب الذين تتلمذ عليهم شو، ووفقه الله إلى استكمال نقضهم. وذلك أن إبسن مثلاً كان يشخص علل المجتمع الإنساني وأدواءه، ثم يكتفي بذلك التشخيص. لم يكن يعني قط بوصف العلاج الذي يكفل القضاء على تلك العلل، أما شو، الذي تشبه كثير من دراماته قصص الحكيم التمثيلية، من حيث صلاحيتها جداً للقراءة دون صلاحيتها للمسرح، فكان في نقده البارع وسخريته اللاذعة مشخصاً ومعالجاً في وقت معاً
أما لماذا أوصي الأستاذ الحكيم بعدم دراسة الكتاب السكندنافيين ومن إليهم من الكتاب الواقعيين، فذلك لخشيتي على فنه الجميل الخلاب من أن يتأثر بهم، ولأن الحكيم في ذاته رجل مشبع بمذهب (المودرنزم) الذي يفتتن به افتتاناً لا حد له ويجعل منه الإطار الذهبي الذي يعلق لنا فيه ترجمته كلها، وصورته الحقيقية التي فطره عليها خالقه الذي لا نحب أن نسميه الآن!
اسمع إليه يقول في كتابه (زهرة العمر) ص ٣٦:
(. . . انتهى رأيي إلى استحالة المضي في روايتي التي كتبت منها قليلا وأنا في هذه البيئة الأوربية العاصفة. هذه البيئة الحديثة وما يسود فيها من جو (المودرنزم) يفسد حسن فهمي