القصيدة اليتيمة
هي قافية المحيوي في تهنئة الملك الصالح بالأبنية التي أقامها في جزيرة الروضة، والبرج الذي جدده حول المقياس. ويحسن أن نذكر قراءنا بأن الملك الصالح بقيت له ذكرى هناك، فأول جسر على النيل في مشارف الفسطاط اسمه (كوبري الملك الصالح) فليترحم عليه من يمر فوق ذلك الجسر في الصباح أو في المساء، وليتذكر كل عابر أن تلك البقعة كانت ملاعب صبابة ومدارج فتون، بأقوى وأعنف مما كانت حومل والدخول
بدأ الشاعر قصيدته بوصف أيام الربيع وصفاً لو ترجم إلى لغة من لغات الغرب لاعترف الغرب بأن وطن الشعر هو الشرق، ولننظر كيف يقول علم الدين:
الروض مقتبِل الشبيبة مونقُ ... خَضِلٌ يكاد غضارة يتدفقُ
نثر الندى فيه لآلئ عِقدهِ ... فالزهر منه متوج ومنطَّق
وارتاع من مرِّ النسيم به ضحَي ... فغدت كمائم زهره تتفتق
وسرى شعاع الشمس فيه فالتقى ... منها ومنه سنا شموس تُشرق
والغصن مياس القوام كأنه ... نشوان يصبح بالنعيم ويُغبق
والطير ينطق معربا عن شجوه ... فيكاد يُفهم عنه ذاك المنطق
غِرداً يغني للغصون فتنثني ... طرباً جيوب الظل منه تشقق
والنهر لما راح وهو مسلسل ... لا يستطيع الرقص ظل يصفق
فتملَّ أيام الربيع فإنها ... ريحانة الزمن التي تستنشق
إن الصياغة جيدة إلى أبعد حدود الجودة، بحيث يظن أنها لشاعر من صميم العرب لا من الترك، والمعاني مألوفة، فقد طاف حولها كثير من الشعراء، ولكنها مبتكرة مبتدعة، لأن إحساس الشاعر بها غاية في التوقد، فهو لا ينقل ما قرأ، وإنما يصور ما أحس. وهنا سر الابتكار والابتداع، وهل يمكن الامتراء في أصالة هذا البيت:
والغصن مياس القوام كأنه ... نشوان يُصبح بالنعيم ويُغبق
(والنعيم) هنا هو الخمر، وهي كلمة قليلة الورود في الخمريات، ولكنها لا تعظم على من ينافس أبا نواس فيقول في هذا القصيد:
وسلافة باكرتها في فتية ... من مثلها خلق لهم وتخلق